صَاحِبُ السُّلطَةِ

صَاحِبُ السُّلطَةِ

هناك أعداد من شبابنا يحتضنهم سيئ الذّكر 'داعش' كمقاتلين بين صفوفه؛ ولأن تلك الأعداد في تزايد مستمر فإنّ ذلك يُعدُّ من أكبر المؤشرات وأخطرها على وجود خلل كبير..!! السّؤال المهمّ في هذا السّياق؛ لماذا السعوديون هم أكثر شعوب الأرض مدعاة لتقبّل هذا الزّحف، والارتماء في أحضانه، والتّسابق إليه؟ الإجابة لن تكون بهذه السّهولة.. أتفهّم هذا! ولكنّني مع ذلك؛ أكاد أجزم أنّ المشكلة في أسِّها لن تخرج عن دائرة العقل، دائرة الفكر، فهو المحرّك الأقوى؛ لأنّه صاحب السّلطة الأعلى؛ إذ كلّما انحرف الفكر استفحل إلى مرض، والمريض بهذا الفكر لا يُعالج فقط؛ -كما يزعم الزّاعمون- بالوعظ؛ بل بمحاولة استنطاق ذلك الفكر من ذات العقل، فمنه يبدأ العلاج وإليه ينتهي. أمّا لماذا؟ فلأنَّ الوعظ منبع العاطفة، والعاطفة سرعان ما تستولي عليها عاطفة أخرى، فمهما قويت تبقى في حالة ضعف وانكسار، إنّها مجموعة من الشُحن التي تدغدغ المشاعر، ولا ترتقي إلى الجوانب الخفيّة / المظلمة في العقل. في دراسته المعنونة بـ(مسؤوليّة المجتمع عن حماية الأمن الفكري لأفراده) يقول الدكتور عادل الشدي: 'فالمصاب بهذا المرض لا يُعالج بالتّركيز على الوعظ، والتّخويف من عقاب الله، فهذا الأسلوب في الغالب لا يجدي معهم؛ لأنَّ أمثال هؤلاء يرون أنَّهم على صواب ودين. فكيف تعظ إنسانًا يظن أنَّه على الدِّين الحق قبل أن يتبيّن خطأه الفكريّ فيما يراه حقًا. ولا يُعالج المصاب بهذا المرض بالتّركيز على التّهديد والوعيد؛ لأنَّ أمثال هؤلاء يرون أنَّهم يتقرّبون إلى الله بما يصيبهم من الأذى والنّكال؛ بل رأينا مَن يقدم على ما يضره عالمًا بذلك بزعم طلب الأجر من الله، فهذا التّهديد والوعيد لا يزيده إلاّ إقدامًا، فمثل هذه الأساليب تستنزف الكثير من الجهد والوقت، وقد تكون ثمرتها محدودة في العلاج'. ويقول زين الدين الركابي: 'ينبغي أن يظفر مقصد: العقل، في الشريعة الإسلاميّة، باجتهاد موسع، إذ ليس يكفي في هذا المقصد أن يقال: إنَّ الشريعة صانت العقل من المسكرات، وما في حكمها، فمن صيانة العقل: تأمينه من تفخيخ الأدمغة ضد الدين، ومن تفخيخها باسم الدين'. ويضيف إذ إنَّ العقل -أي الفكر- هو المحرك الأساس للفعل الإرهابي، وهو في ذات الوقت أداة قوية في تحريك كل فعل شرًّا كان أم خيرًا. فلا خيرَ يُفعل، ولا شرَّ دون أن يحتويه العقل، ويسيّره الفكر إلى فعل، قد يسعد ويمد خيره الجميع، وقد يشقي ويأكل الأخضر واليابس. إنَّ كلَّ جريمةٍ إراديَّةٍ مسبوقةٍ بفكرة شرّيرة في الدّماغ/ الفكر!! ومكنون ذلك يعود إلى: طَرْق (لطيف)، أو (ضعيف) للمنطقة الأساس لتصدير العنف والإرهاب: منطقة (الدّماغ)، أو الذهن والفكر؛ في حين أنَّه كان يجب أنْ تظفر هذه المنطقة بالاهتمام الأوّل.. والأعظم.. والأطول.