سلعة لم ننعتق منها
تاريخ النشر: 01 فبراير 2015 00:59 KSA
نحن في المملكة نعرف بكل وضوح نقطة ضعفنا الاقتصادية. وكلما نسيناها أو تناسيناها أطلت علينا الموازنة السنوية للدولة لتذكرنا بها. ولمن لا يعرفها، هي اعتمادنا بنسبة تفوق تسعين في المئة من دخلنا على الاقتصاد الريعي لسلعة واحدة ناضبة.
عندما بدأت المملكة عصر التصنيع الحديث، في السبعينيات الميلادية من القرن الماضي؛ أنشأت لذلك مدينتين صناعيتين إحداهما في الجبيل على الساحل الشرقي للمملكة، والثانية في ينبع على الساحل الغربي. لقد كانت فترة مليئة بالتحديات، غنيّة بالدخل النفطي؛ فسميت لذلك بالطفرة الأولى، حيث تغيّرت بسببها أجزاء كبيرة من تركيبة المجتمع ومسلّماته. وأصبحنا نعاني بعدها من سلوكيات جديدة وغريبة أحدثت كثيراً من المتناقضات في ثقافة المجتمع المتوارثة على مدى أجيال طويلة.
في تلك الفترة النشطة، وفي ظل العوائد المالية الفلكية، وبوجود مدينتين صناعيتين بمواصفات لم تكن سائدة عندنا من قبل؛ كان من الضروري ملء هاتين المدينتين بالصناعات الثقيلة الكبرى التي أنشئتا من أجلها. فكان إنشاء مصافي البترول ومعامل الغاز والصناعات البتروكيماوية شيئاً طبيعياً ومناسباً. ولا انتقاد على ذلك فقد كانت تلك المنشآت منشآت ناجحة ومربحة، أتاحت للمملكة الحصول على ثلاثة إنجازات هامة: (١) الحصول على ما يعرف اقتصادياً بالقيمة المضافة. (٢) نقل التقانة من العالم المتطور إلينا. (٣) ساهمت في تدريب وتوظيف أعداد غير قليلة من السعوديين.
ورغم تلك النجاحات والمميزات إلا أنها لم تحلّ لنا مشكلة اعتمادنا الكبير على النفط. وقد قيل لنا حينها بأن تلك الصناعات، هي ضمن استراتيجيات لعدم الاعتماد عليه. ولكن ذلك لم يتحقق. لأن كل تلك الصناعات ما هي إلا صناعات تحويلية للنفط، فاستمر بذلك اعتمادنا عليه بصورة أكثر عمقاً وأشد ارتباطاً.
أكرر مرة أخرى بأن إنشاءنا للمدينتين الصناعيتين وللصناعات التي أنشئت فيها كان عملاً رائداً وضرورياً وناجحاً بكل المقاييس، وخدم المملكة خدمة عظمى، إلا أنه برغم ذلك لم يحقق لنا الانفلات من اعتمادنا الطاغي على النفط. وما نراه اليوم عالمياً من انخفاض في سعره والصعوبات المالية التي تتعرض لها الدول؛ لا بد من أنه يحفّزنا، لأن نسعى حثيثاً لكسر قيده المحكم علينا لسنوات.