الأخ الأكبر يُصنِّعُ لنا العالمية

الأخ الأكبر يُصنِّعُ لنا العالمية
المقصود ها هنا بالأخ الأكبر مرتبط حتمًا برواية 1984 لجورج أورويل، الذي يسهر على راحة المدينة، وتسييرها وفق سلطانه الضاغط، ولا يريد لنا إلاّ الخير العميم. فهو الدماغ الكبير الذي يفكر للآخرين الذين لا حقّ لهم في أن يكونوا وفق ما يشتهون. هو مَن يصنع الحاضر والمستقبل، والعالمية التي تشغلنا كعرب في كل المجالات، وننسى بأن مَن يصنعها خاضع لمشيئته، وليس لمشيئتنا. الروائي العربي كغيره من كتّاب العالم، منشغل بالعالمية التي تدفع بجهده الإبداعي من دائرة الضيق إلى دائرة أكثر تعقيدًا وانفتاحًا وإنسانية. قد يبدو هذا الكلام بسيطًا وربما مسطّحًا في شكله، ومع ذلك فهو يقدم مجموعة من المحددات المسبقة. فسؤال العالمية الذي تطرحه الرواية العربية على نفسها بشكل متواتر، أمر مشروع لأنّه محاولة أولية لتحديد وضعها في سياق الرواية الإنسانية، وأي مسلك عليها أن تسلكه لتصبح جزءًا من الذاكرة الجمعية البشرية؟ أي جهد عليها أن تقدمه لكي تصل إلى الاعتراف بها كمنجز إنساني وليس كجهد فردي، أو جماعي مرتبط بمحلية تضيق الخناق أكثر ممّا تدفع بالرواية نحو وضع اعتباري يليق بها. لكن السؤال سرعان ما ينزلق عن حدوده الموصوفة عندما يفترض العالمية كحل لكل المعضلات الأدبية، وكمآل ضروري وإجباري لكلّ نصٍّ يتوخّى الانتشار، وكأنّ العالمية -كما يفترضها النقد العربي، والكاتب نفسه- خاضعة فقط لغنى النص وحده، ولقيمته الرمزية والأدبية. تأمّل بسيط يعيدنا إلى الاعتبارات الخفية التي تتحكم في القيمة المفترضة، تتجاوز القوة النصية المحتملة. أولاً: تمركز الاعتراف وشرعيته في يد قوة واحدة نسميها اليوم أمريكا، أوروبا، أو العالم الغربي بشكل عام. يقع النص الروائي العربي بين تقاطبين، قوة تمتلك كل شيء بما في ذلك سلطة القرار السياسي والإعلامي، وتابعهما القرار الثقافي، وجهة أخرى، التي هي نحن أي الشرق، الذي خطط له في زمننا الحديث، منذ اتفاقية سايكس بيكو، أن يظل في دائرة التخلّف والتقسيم المتواتر. ثانيًا: الإمبريالية الإعلامية أصبحت سلطة متعالية على كل شيء وفوق أية سلطة نقدية وعابرة للقارات عن طريق الصورة التي أصبحت في يدها بامتياز. فهي المحدد الأساس للقيمة بما في ذلك الأدب، وهذا أخطر شيء. القيمة هي ذات دلالات رمزية أكيدة، وعندما يسجن الرمز داخل إرادات أخرى، فكل ما يحيط بنا من رموز قيمية بما في ذلك الأديان والتاريخ والماضي والحاضر، يجد نفسه في عمق الدائرة نفسها. عندما يتم التغلغل في عمق الرمز أي في داخل المنتَج الحميمي، فهذا يعني أن قنبلة داخلية يتم التحضير لها، ولا أحد يعلم توقيت انفجارها إلاَّ الذي خطط. لن يحتاج الاستعمار الحديث لأي تدخل لأننا سنأكل أنفسنا بوسائلنا الأكثر فتكًا، ونتفكك لنصبح قبائلَ وشيعًا متقاتلةً متذابحةً. ثالثًا: عندما نقرأ الأعمال الروائية العربية العالمية التي فرضت نفسها على الثقافة العربية، ندرك إلى أي حد أصبحت المخاطر الثقافية في صلب النظام الثقافي العربي الذي يحدد القيمة كانتماء للعالم، لا يتعلّق الأمر هنا بالأعمال الإنسانية الكبيرة والمتميزة التي اختار أصحابها نقد الطاحونة الكبيرة التي يسهر على مراقبتها باستمرار الأخ الأكبر، ولكن بالأعمال الروائية خصوصًا التي تفبركها وسائل الإعلام وتعلبها وتقدمها كبدائل فعلية للأدب الكبير والإنساني.

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح