ما معنى أن يكتب الروائي عن زمن غير موجود؟
تاريخ النشر: 07 أكتوبر 2015 23:37 KSA
ما معنى أن يكتب روائي عن زمن غير موجود؟ وحده مَن يتحسّسه ويستشعر نبضاته الخفية. بل يعيشه بقوة وكأن أحداثه تقع أمام عينيه. وقد يصل إلى درجة التألّم من عوالم افتراضية، بالخصوص إذا كان الجهد نصًّا ديزوتوبيا، أي مضادًا لليوتوبيا والمثالية؟ هناك أشياء كثيرة تكون حاضرة لحظة الكتابة في هذا النوع الافتراضي، وأخرى تغيب، وأسئلة تتزاحم. مثلاً إلى مدى سيكون كلام الروائي صادقًا إذا كُتب لروايته أن تخترق سلطان الزمن، وتستمر خارج الفترة الذي يعيشها؟ هذا السؤال الذي يبدو لنا حيويًّا بالنسبة لكاتب اختار هذا النوع الافتراضي، ربما قد لا يطرحه هذا الأخير على نفسه، لأن الروائي عندما يدخل في صلب عالم لم يوجد بعد، عليه أن يصدق بوجوده أولاً. فهو يرى ما لا يراه الآخرون المحكومون بشرطية الحقيقة الموضوعية والملموسة. وقد يكون وحده المؤمن بوجود ما يكتب عنه، وأنه حقيقة هو سيد العارفين له وإلاّ سيبدو الأمر شديد العبثية. يقينه الأوحد هو منجزه النصي الذي، مع بعض الحظ، قد يسافر مع الزمن حتى يصل إلى اليوتوبيا التي تصورها أو تراجيديا اليوزوتوبيا. هل كان مثلاً الروائي الكبير، جورج أورويل، وهو يكتب روايته 1984، يفكر كيف سيكون عليه الزمن الآتي؟ أم أنه كان في الزمن الآتي، في صلبه وتفاصيله. فقد اعتمد على خاصيات كثيرة افترضها في ذلك الزمن، ثم ركض وراءها، وولفها ضمن احتمالات ممكنة التحقق. المحصلة هي أننا اليوم، نجد أنفسنا أمام نص عظيم، اخترق الأزمنة بصدقه وقوته، ويشبهنا في كل شيء تقريبًا. مع أن الذين قرأوه في زمانه، في 1949، فضلوا عليه نصًّا آخر لنفس الكاتب، هو حظيرة الحيوانات، رواية ألهمت الفنانين والموسيقيين والرسامين. ففي الوقت الذي كان الأوروبيون في عز انتشائهم بانتصارهم على النازية، كان الكاتب يرسم في عزلته، لوحة بالأسود والأبيض، لديكتاتورية خطيرة استلهمت كل وسائل العصر لتشدد قبضتها علي البشر بالحروب أو الرقابة والبيروقراطية القاتلة. فقد عبر أورويل في عصره، عن عالم لن يتجسد حقيقة إلاّ بعد نصف قرن تقريبًا. أي بعد أن مات كاتبه وكل مجايليه. التاريخ الذي عشناه معه في روايته 1984، نحن -قراءه المفترضين- الذين لم نكن موجودين في زمانه، كان تاريخنا الحي. أحسسنا به بقوة. نصه كان يتكلم عن عصرنا اليوم، ويدعونا للذهاب نحوه. قوة هذا النص بالضبط في قدرته على الإقناع بجدوى الآتي. لا يكفي أن تكون ساحرًا في الكتابة، عليك أن تتمكن أيضًا من لمس المتحول والثابت، والثانوي والجوهري، في تطور الحياة البشرية. لنا اليوم أمثلة كثيرة في الحياة الثقافية الإنسانية، في فرنسا تحديدًا، لهذا النوع من الكتابة لكن الكثير منها ظل أسير إيديولوجية إقصائية لا تخفي عنصريتها ضد العربي والمسلم والأجنبي عمومًا. نصّان صدرا مؤخرًا، تخيّلا وصول العربي المسلم إلى سدة الرئاسة الفرنسية، وكأن الأمر كارثة مع أن الأرجنتين أعطت درسًا في ذلك حينما وصل إلى رئاستها ديمقراطيًّا كارلوس منعم ذي الأصل السوري وحكمها عشر سنوات (1989-1999) كانت من أكثر الفترات ازدهارًا. هذا طبعًا لا يطرح على ذوي الأصول الأوروبية الأخرى. في روايته الخضوع، يتخيل ميشال هولبيك الذي يعتبر الإسلام: ديانة غبية، وصول العرب المسلمين إلى سدة الرئاسة في 2022 من خلال انتصار حزب الأخوة الإسلامية، فيتم تخريب البنية الروحية والاجتماعية. ورواية بوعلام صنصال الإشكالية 2084 نهاية العالم، التي لم تخرج عن هذا المنطق الذي يؤسس روائيًّا لفوبيا الإسلام. حيث يتخيّل نظامًا إسلامويًّا ديكتاتوريًّا حاكمًا. في الوقت الذي وقف فيه جورج أورويل ضد كل الخطابات المهيمنة والجاهزة، ينحاز هولبيك وصنصال وغيرهما باتجاه خطابات التخويف الأوروبي من إسلام متخلف زاحف، تعيش عليها اليوم التيارات الأكثر تطرفًا في فرنسا وفي أوروبا أيضًا.