الهجرة .. ذكرى تتجدد
تاريخ النشر: 18 أكتوبر 2015 02:14 KSA
تتجدد سيرة الهجرة النبوية الشريفة في كل عام؛ الأمر الذي يدفعنا إلى تدارسها، والوقوف على مفاصل الحكمة منها، واستنباط الدروس النموذجية من دقائقها؛ وأخذها نبراساً للأجيال ومرجعاً نيِّراً ينهلون من معينه أسباب فلاحهم؛ لأنها تحمل في طياتها سِيرة عَطِرة لرسول وصحابته ترفعوا عن متاع الحياة الدنيا فارتقوا بأنفسهم ، وسمت أخلاقهم، وتعالت همتهم، وتوحَّد هدفهم، وسادوا العالم من أدناه إلى أقصاه، واستطاعوا بقوة إيمانهم فرض المنهج الرباني ليكون هو البديل لكل الأنظمة الجاثمة على متن الزمن الغابر دون أن تُحدث أثراً يُذكر في تاريخ الإنسانية، بقدر ما كانت وبالاً يدفع فاتورته الإنسان المُستضْعَف، بينما المُتنَّفِذ يعيش بعيداً عن إسقاطاتها النفسية. إن المُتدبر لهذه المسيرة المُظفَّرة لسيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يجد فيها تراتيل متنوعة من الأحداث التي لو واجهت غيره لاستسلم من عظمتها ولانهار جراء تداعياتها السلبية ، فلا يوجد أقسى من ظلم الأقارب، وتجنِّي الأصحاب، حيث مارسوا أقسى ألوان العذاب النفسي معه ومع أصحابه وهم صابرون محتسبون لعل الله يُحدث بعد ذلك أمراً، ولكن شيئاً من هذا لم يحدث - بشكل مُلفت - بل تعاظم الأمر بعد وفاة سنديه الأقوى عمه أبي طالب وزوجته الوفية خديجة - رضي الله عنها - ولكن أُولي العزم من الرسل يحملون رسالة ربانية يتحملون من أجل إيصالها المشاق الجسام، ويُقدِّمون في سبيل نجاحها أرواحهم الزكية، إيماناً منهم بأن واجبهم المُلقى على عواتقهم يتطلب هذا الجهد، وإقراراً منهم بأن ما أُوحي إليهم من الله هو الحق الذي سيُغيِّر وجه الدنيا، ويُشيع فيها الصلاح بعد أن تسيِّدها الفساد رُدهة من الزمن.ولكن الحكمة الإلهية قصدت بزوغ فجر جديد على الإنسانية جمعاء، ورسم ملامح مُغايرة لمستقبل يُخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويؤسس لمرحلة انتقالية تتسلل من تراتيلها تعاليم منهج جديد للحياة يرتكز في معالجته للذات على الموازنة بين الجانب الروحي والمادي ، وكانت الرسالة المحمدية خير من حقق هذا التوازن.