تنمر الرأي الأحادي وتداعياته

إن من أهم أسباب الرجعية والفقر الذي تعانيه أمتنا الشرق أوسطية هو في رأيي تنمّر الرأي الواحد، لا يكتفي أصحاب هذا الرأي بالنقاش والدفاع عن رأيهم، بل يعتقدون أن رأيهم هو الصواب والأمثل، ورأي من سواهم خاطئ وبعيد عن الحقيقة، ويتجرأ أصحاب الرأي الأحادي لحد التنمّر اللفظي، أو حتى الجسدي باسم آرائهم. وأزيد أن أصحاب الرأي الأحادي كثيرًا ما يرتفعون في مجتمعاتهم، إذ إنهم يزايدون في ولائهم لشرعية هذا الرأي، ويهاجمون مجتمعين كل مَن يأتي برأي جديد قد تكون بعض جوانبه مختفية عنهم، والنتيجة هي أن يحتكم المجتمع الخوف الذي يقتل بدوره الإبداع، وهذا يصيب عجلة التقدم بالشلل. إن الرأسمالية والديموقراطية الليبرالية تعملان جنبًا إلى جنب لمساندة الرأي الآخر، والذي كثيرًا ما يأتي من أقلية، وهذا في رأيي، ورأي الكثيرين، ما يدفع الأمم إلى التقدم. يذهب البعض إلى أن بعض الديكتاتوريات مثل الصين متقدمة اقتصاديًّا، ولكن نموهم هذا في رأي الكثيرين مبني على تحويل الموارد إلى حيث هي أكثر إنتاجية، ويستمر لفترة مؤقتة، ولكن التوزيع الأمثل للموارد يحتاج إلى الحرية. فالنمو الاقتصادي يتطلب الكثير من التواصل الاجتماعي الحر للمساعدة على إيجاد طلبات العميل، وكذلك العميل بحاجة إلى التواصل ليساهم بطلبه على إيجاد السعر المناسب والذي يضمن توزيعًا أفضل للموارد، ولا يمكن لأي جهاز مركزي، كما يقول الاقتصاديون الرأسماليون، أن يباري منتجات الحرية من سعر ومعلومات توزع الموارد خير توزيع. أمّا الخوف المتولّد عن الديكتاتورية في الأتباع فينتج عنه تضخم للأنا عند أصحاب القرار، ما يزعهم في النهاية إلى الحيود عن القرارات الصائبة لعدم إلمامهم بمصالح الشعب الصامت.إن إعلان الولاء لأي نظام لا يكتمل -في رأيي- إلاّ إذا ما صوحب بالشجاعة لإنتاج مدخلات من آراء، وإن كانت مختلفة، فهذا هو الولاء المنتج، فلنأخذ مسار الباحثين عن الحقيقة لا مسار المخاوف التي ترهق الأمم.