أشجار طرفاء «الغابة» التي صُنِع منها منبر النبي صلى الله عليه وسلم

وُصِفَتْ الغابة في المصادر القديمة بأنها مكان من المدينة في الشمال الغربي على نحو بريد وقيل: ثمانية أميال، وسميت الغابة لأن شجيرات من الأثل والطرفاء تنمو في أرضها بكثافة، أما اليوم فأصبحت جزءًا من المدينة المنورة، وغطّت البنيان جزءًا كبيرًا منها، وقد دخل جزءٌ من الغابة في مسمى العيون، وسميت العيون لوجود عيون كثيرة في تلك المنطقة، وبقيت تلك العيون إلى قبل مئة عام.. قال الحموي: «الغابة الجمع من الناس، والغابة الشجر الملتف الذي ليس بمرتوب لاحتطاب الناس ومنافعهم، وهو موضع قرب المدينة من ناحية الشام، فيه أموال لأهل المدينة، وهو المذكور في حديث السباق: (من الغابة إلى موضع كذا ....)، وقال الواقدي: «الغابة بريد من المدينة على طريق الشام، وصنع منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرفاء الغابة أو الأثل، أتى بها النجار، وسهل بن سعد من منطقة الغابة القريبة من المدينة المنورة». فقد روى البخاري بسنده عن أبي حازم بن دينار: أن رجالًا أتوا سهل بن سعد الساعدي، وقد أمتروا في المنبر ممَّ عُودُهُ؟ فسألوه عن ذلك؟ فقال: واللهِ إني لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة امرأة من الأنصار، وقد سمّاها سهْلٌ – مرِي غلامَكِ النّجارَ أن يعمل لي أعوادًا أجلسْ عليهنَّ إذا كلمتُ الناس، فأمرته فعملها من طرفاء الغابة...» الحديث. وكانت في الغابة أرض للزبير بن العوام. وروى محمد بن الضحاك عن أبيه قال: كان العباس بن عبد المطلب يقف على سلع فينادي غلمانه وهم بالغابة فيسمعهم وذاك من آخر الليل، وبين سلع والغابة ثمانية أميال، وقد اشتهرت الغابة بالغزوة حيث نسبت إليها فسميت غزوة الغابة، وتسمى أيضًا غزوة ذي قرد، لأن الماء الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له ذو قرد، وتعتبر غزوة الغابة قبل غزوة خيبر بمثابة إعلان لكل من يتربص المدينة وأهلها، بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتهاون في مؤاخذة كل من يأتي أمام المسلمين ويصدّ طريقهم ولو أدّى الأمر الذهاب إلى عقر دارهم، كما جاء ذكر الغابة في مسار الطريق النبوي إلى خيبر.. ولم تعُدْ الغابة كما كانت حتى قبل ثلاثين عامًا وللأسف، حيث كانت تعتبر منتزهًا جميلًا تتوفر فيها الظلال والهواء النقيّ، لكن حاليًا غطّى البنيان أغلب ساحاتها، وما بقي من الساحات أصبح حفرًا ومرمى للقمامة أو لصرف الصحي.. وأكتب عنها كأثر من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنا مكظوم مما جرى لتلك الآثار.