معوقات التواصل.. الكتاب العربي المترجم إلى الفرنسية
تاريخ النشر: 12 نوفمبر 2015 01:13 KSA
مشكلة حقيقية تلك التي يعاني منها النص الأدبي العربي المترجم نحو الآخر. إن الجمهور الذي يستهدفه الأدب العربي المترجم إلى اللغة الفرنسية، يكاد يكون هو نفسه جمهور الأدب العربي المكتوب أصلا بالفرنسية أو ما أطلق عليه موجة الفرانكفونيين العرب كـ: محمد ديب، كاتب ياسين، طاهر بن جلون، هادي قدور وغيرهم. المغاربيون يُشكِّلون الغالبية العظمى لهذا الجمهور. المشكل الأساسي هو أن الغالبية العظمى من هذا الجمهور الافتراضي هاجرت نحو فرنسا لأسباب اجتماعية، وتحصيلها العلمي محدود وارتباطها بالوطن العربي مرتبك جدا. للأسف، وضعية الوطن العربي لا تقدم لوحة إيجابية يُحتذى بها حاليا في أوروبا. عينات قليلة تذهب نحو الكتاب العربي في لغته الأصلية لجهل العربية، أو عن طريق الترجمة الفرنسية، وهذا أيضا قليل. لكن السنوات الأخيرة شهدت اهتماما متزايدا بالنسبة لهذه الجالية لمعرفة تاريخها وهويتها التي لا تحمل، بالنسبة للفرنسي المتوسط، أكثر من كلمة اختزالية: عربي التي ينضوي تحتها كل المغتربين القادمين من الوطن العربي بما فيهم الأمازيغ، والأكراد، المسيحيون والمسلمون. كل شيء يتسطح بالنسبة لهذا الجمهور الذي يحدد مسارات الانتخابات، وتراهن عليه الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة الرافضة للعربي. الأمر الذي قوّى الجانب الهوياتي لدي العربي ودفع به نحو اللغة العربية لدراستها أو نحو النصوص العربية المترجمة لفهم تاريخه أو جزء منه وثقافته المطموسة. بعضهم ذهب نحو اللغة العربية لتعلمها. وقد لعبت المراكز الثقافية وأقسام اللغة العربية في الجامعات الفرنسية، والمدارس القرآنية، دورا مهما، إذ بواسطتها أعاد المغاربي أو الفرنسي ذو الأصول العربية عموما، والمغاربية على وجه الخصوص، ترميم نفسه ولو جزئيا. ينبغي التذكير في هذا السياق بأن معهد العالم العربي، الذي شُلّ في السنوات الأخيرة بسبب صعوبات مالية كثيرة، لعب دوراً كبيراً في تعليم اللغة العربية للأجانب، وأبناء الجاليات العربية على حد سواء، والتعريف بالثقافة العربية والحضارة العربية الإسلامية في أبهى صورها. فقد نظم معارض مميزة حظيت بإقبال كبير من قِبل الجالية العربية والجمهور الفرنسي، كمعرض العلوم العربية في عصرها الذهبي، ومعرض البندقية والشرق، وليوتي في المغرب، ومعرض جزائر الرسامين من دولاكروا إلى رونوار وغيرها. وهو ما منح الجميع فسحة ثقافية مهمة للتعرف على تاريخ ظل موجودا ومتخفيا في الوقت نفسه. المشكلة هي أن الكثير من الفرنسيين بالخصوص، والأوروبيين عموما، يحبون الثقافة العربية، بشكلٍ من الأشكال، لكن في الوقت نفسه يخشونها. هناك تخوُّف في فرنسا وعموم أوروبا والغرب كله من انتشار اللغة العربية وثقافتها لدرجة الفوبيا لأنها منذ البداية ارتبطت بإسلام التطرف. فقد أصبحت اللغة العربية، في الأوساط اليمينية المتطرفة، رديفا للإرهاب والاختزال. وهو ما ترتبت عنه مشكلات هوياتية ولغوية شديدة التعقيد. وغُيب كليا الجهد التنويري العربي والإسلامي. وكأن الديانات الأخرى لم تعرف تطرفاتها في حقبة من حقبها التاريخية. العربي قبل الأوروبي، كان الضحية الأساسية لمثل هذه الممارسات الظلامية. الانتساب إلى الثقافة العربية والدين الإسلامي، وهوية الأجداد، كان هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لإثبات الذات في ظل قسوة الإقصاء المتكرر، وتعويض سياسة المواطنة والتعددية الثقافية بسياسة الغيتو التي حاربتها القوانين الفرنسية بصرامة على العكس من العالم الأنجلوساكسوني. إن العودة إلى اللغة العربية، بغض النظر عن التطرف الإسلاموي، المضر لصورة العرب والمسلمين، تظل تشكل ردة فعل من وضع غير عادل، ومن رغبة في البحث عن الأصول التي تحمل أيضا مخاطرها العميقة. تبدو هذه العودة إلى العربية كخزان في صالح الكتاب العربي وتنامي مقروئية الكتاب المترجم. لكن المتأمل لن يجد إلا نسبة ضئيلة تتجه نحو الكتاب العربي الأدبي المترجم إلى الفرنسية الذي لم يستفد من هذا التحول اللغوي إلا قليل.