حسين علي محمّد.. سيرة حب
تلقيت صباح يوم الأربعاء 9/8/1431هـ رسالة نصية من الدكتور ناصر كريري أستاذ الأدب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة ينعى فيها الأستاذ الدكتور حسين علي محمد أستاذ الأدب بكلية اللغة العربية الذي التحق بالرفيق الأعلى إثر إصابته بجلطة دماغية. والدكتور حسين علي محمد نموذج فذ للأكاديمي الخلاق، والشاعر المبدع، والإنسان الخلوق الشغوف بالمعرفة، والباحث عن الحكمة. عرفت الدكتور حسين علي محمد من خلال منجزه العلمي والشعري، وشرفت بالتواصل معه في عدد من الفعاليات الثقافية، واللقاءات العلمية، ووجدت فيه سماحة المسلم، ونبل العربـي، وبساطة الفلاح المصري، وعنفوان الفارس الذي لا يعرف الهزيمة. وحسين علي محمد مبدع عربـي في زمن الرقص العاري، أنجز ثلاث عشرة مجموعة شعرية، وقرابة عشرين كتابًا في الدرس الأدبـي والنقدي، وأسس مشروع أصوات عربية الذي أصدر أكثر من 120 عملاً إبداعيًّا للشباب العربـي.الدكتور حسين ذو نزعة إسلامية فاقعة في إبداعه وبحوثه، ينطلق من فكرة مركزية ترى أن الثقافة هي روح الأمة والمعبر عن آلامها وآمالها، والرافعة القادرة على انتشالها من وهدة الانكسار الحضاري، ولكنه مع هذا كان عقلاً مفتوحًا على المعرفة، شغوفًا بها وبأهلها، واستطاع أن يجمع بين الفن والوظيفة فيما كتب من شعر، ونجح في كثير ممّا قال.وتعايش في الفكر المختلف بروح المثقف الواعي الذي يرى أن الحياة تتسع للجميع، وارتبط بعلاقة صداقة مع كثير من المبدعين العرب، وشارك بفكره وإبداعه في كثير من المواقع والمنتديات باختلاف أطيافها الفكرية.إن كلمات الرثاء التي عبّر بها كثير من رواد المواقع الثقافية على الشبكة العنكبوتية تشف عن حضور فاعل لصوت الدكتور حسين وفكره، وتؤكد أن الكلمة الطيبة لا تموت وإن الشمس الساطعة لا يمكن أن يحجب شعاعها.لا نجْمَ في حدائق الشتاءْ لا حبةً من ضوء فلتغلقوا الأبوابْ فلتغلقوا الأبوابْ أشعر أنني أموت في العراءْهكذا كان يشعر الدكتور حسين أنه يموت في العراء، ولكنه مات ملتحفًا بأهداب الأصدقاء، وظلال الكلمات في مدينة الرياض، المدينة التي فتحت صدرها للأحبة والأصدقاء.من السقوط في الليل، مرورا بأوراق من عام الرمادة، والرحيل على جواد النار، وانتهاء بسبع سنبلات خضر، قدم فكرًا شعريًّا ثريًّا وجديرًا بالدرس والتحليل، وكأن عناوين مجموعات الدكتور حسين وتراتبيتها تختصر وعيه الشعري، وتلخص تجربته الثرية التي بدأت بالسقوط لتنتهي سنبلة خضراء تمنح البهجة والخصوبة والحياة.إن هذا العاشق الذي منح الرياض وأبناءها حروفه وعشقه جدير بالاحتفاء والتقدير، وأعظم تقدير له أن يخضع شعره ومنجزه النقدي للدرس والتحليل من تلاميذه ومحبيه في كلية اللغة العربية، وسيرة الحب هذه مليئة بالأسرار، وأعظم أسرارها أنها مخبوءة في فصول الفرح، وبراعم الورد، وحفيف الأوراق، ووعي الإنسان، وستظل خميرة ممكنات لربيع الوعي وحضور الإنسان. سيرةُ حب تتنامى .. في ورْدِ العشقِ .. وفي روْضِ الألوانْ تُثلجُ روحَكَ .. في تنهيدةِ أحبابْ والقمرُ -وحيدًا- بالبابْ مزهوًّا في ريش الطاووسِ يصولُ ويكتُبُ أشعارَ الحبِّ على الجدرانْ! ناديْتُكَ، مرسي.. فأجاب الحجّاب! لكنَّك تقْبَعُ خلفَ البابْ تنتظِرُ نداءَ الموسيقى -والصمتُ يلفُّ الوديانْ- في حنجرة الفجْرِ / الظافر بالحبِّ .. الفجْرِ / القادمِ بربيعِ الإنسانْ!