الآن كمنذ عقد ونصف
فيما يلي مقتطفات من مقالٍ كتبتُه منذ خمسة عشر عامًا، لمجلة الأسواق، عدد ديسمبر ٢٠٠١م، التي كانت تصدرها وكالة مكة للإعلام؛ تحت عنوان: «لم تعُدْ تستطيع بمفردها»، فهل نقول ما أشبه اليوم بالبارحة؟ ورغم أوجه الشبه عندي ملاحظات تتبعها:«توقع كثيرون أن تخفّض منظمة الأقطار المصدِّرة للبترول (أوبك) إنتاجها بمعدل مليون ونصف مليون برميل يوميًّا؛ نظرًا لفائض الإمدادات في الأسواق النفطية، وكذلك لارتفاع المخزونات الإستراتيجية النفطية في البلدان المستهلكة، ما نجم عنه انخفاض سعر برميل النفط.. إلاَّ أن الوزراء في اجتماع المنظَّمة الأخير المنعقد في ١٤/١١/٢٠٠١م، قرّروا عدم إجراء أيّ تخفيض إذا لم يتعاون معها المنتجون في خارج منظمة (أوبك) بتخفيض إنتاجهم أيضًا. ولو أن المنظَّمة خفَّضت إنتاجها بدون تعاون المنتجين النفطيين من خارجها، لعمَّقت بنفسها جراحها، ولفقدت مزيدًا من حصَّتها في السوق النفطية. لقد تم ترويج فكرة أن منظمة (أوبك) تستطيع بمفردها أن تتحكَّم في أسعار النفط الخام.. تلك الفكرة التي جعلت المواطن في تلك البلدان (الغربية) يعتقد أن مشكلاته في مجالات الطاقة المختلفة.. ناتج عن تلك المنظمة الشرهة المحتكرة. والأشنع من ذلك أن تلك الفكرة، وجدت هوى في نفس كثير من المسؤولين النفطيين من أعضاء المنظمة، الذين نسي بعضهم أن انتشال الأسعار من قاعها السحيق في عام ١٩٩٩م، ما كان ليتحقَّق لولا تعاون دول نفطية من خارج المنظمة مثل المكسيك والنرويج. لا أحد يشك في أن إنتاج المنظمة الذي يمثل حوالى ٦٠٪ (اليوم أقل من ٤٠٪) من النفط المتداول في الأسواق العالمية، لا يمكن تجاهله وله تأثير ملموس في حركة العرض والطلب، وبالتالي في التسعير. ولكن المنظمة لن تستطيع اليوم بمفردها أن تفرض السعر الذي تريد. لقد تغيرت المعطيات الاقتصادية.. كما أن الإمدادات النفطية من خارج المنظمة أكبر بكثير اليوم.. لا شك في أن انتهاج المنظمة سياسة الدفاع عن سعر البرميل، قد تسبب في نتائج وخيمة عليها. أهمها إتاحة الفرصة للمنتجين النفطيين من خارجها على انتهاز الفرصة للاستقطاع من حصتها في السوق. تحتاج المنظمة لأن تخفض روسيا، أكبر منتج بعد المملكة (الآن تجاوز إنتاجها المملكة) والنرويج والمكسيك (٥٠٠) ألف برميل يوميًّا من أجل أن تخفض المنظمة (١,٥) مليون برميل يوميًّا لكي يتم امتصاص الفائض، ولكي يعود سعر البرميل داخل حدود نطاق (أوبك). إذا لم يتم تعاون المنتجين في داخل المنظمة وخارجها، فإن حرب الأسعار وشيكة وحتمية. وإن اختارت منظمة (أوبك) خوضها فلابد من خوضها بقوة، ليس فقط إلى أن يتم استعادة حصتها المفقودة في السوق فحسب، بل من أجل الحصول على حصة أكبر. ولعله من المنطقي الدفاع عن الحصة في السوق (لأنه) أجدى وأفضل من الدفاع عن السعر، لأن الأولى تشكل مردودًا مستمرًا ودائم الإثمار، بينما يشكل الثاني فرصة سانحة في زمن معيّن ما تلبث أن تزول». انتهى.اليوم المنظمة في وضع أضعف ممّا كانت عليه حينها. فحصّتها فقدت الثلث. ودخل المنافسة نفط جديد لم يكن يُظَنُ منافسته. وتغيّرت التقانة بشكلٍ مذهلٍ. ودخل السوق منتجون جدد. وازدادت المطالبة بالعناية بالبيئة، والابتعاد عن الوقود الأحفوري. ثم بعد كل ذلك ما تزال المنظمة تسلك ذات الطريق، وتغامر بنفس الأدوات القديمة!نستكمل الموضوع الأسبوع المقبل -إن شاء الله-.