الخصخصة والمجتمع

الخصخصة والمجتمع

 يروج مؤيدو الخصخصة أن تطبيق أساليب القطاع الخاص على القطاع العام تحقق النجاح الاقتصادي والفعالية يستوي في ذلك إدارة الموانئ والنقل وقطاعات خدمية كالصحة والتعليم ، ويفترضون أن تحسن الأداء ورفع الجودة يعود للخصخصة ، وبالتالي تعميمها يحقق للاقتصاد ككل النجاح ،وهو منطق ظاهرياً صحيح ،ولا عجب إن تمت الإشارة لتجارب دبي فضلاً عن التجارب الغربية ،ولكن في ذلك قفز على الواقع بقصد أو بدونه بينما تشخيص المشاكل المحيطة بأداء القطاع العام هو المدخل للفعالية والخصخصة تغيِّب النظر في أسباب عدم الفاعلية وضعف الإنتاجية، ولن أجازف إن أشرت إلى أن أساليب القطاع الخاص ليست فعلاً سحرياً لتحقيق الفعالية، لأن القطاع الخاص يربح لأسباب تتعلق بالإدارة الفعالة ولتوفر الشفافية والحوكمة وبسبب ضبط التكلفة وسرعة اتخاذ القرار، ومن العوامل الهامة نسبة التوطين التي ترتفع في القطاع العام بينما تقل نسبياً بالخاص ولهذا المشكلة في الإنتاجية مشكلة مهارات وإدارة ولنا دروس في أزمة 2008م بأمريكا فعندما ضربت الأزمة القطاع الخاص كانت قوائمه تعكس أرباحاً ولكنها كانت فقاعة أو قوقعة ناتجة من الخصخصة ولهذا حين انفجرت انهارت وتلاشت ،تلاشى الثلج في الماء الدافيء ،ولهذا وصف الدواء يحتاج لتشخيص دقيق للداء نفسه وإلا فإن الوصفات ستتنقل بين الخصخصة والمسكنات ثم يكون الوضع سراباً يحسبه الظمآن ماء، ومتابعة الأعراض المَرضية في القطاع العام كتدني الإنتاجية وتظل عرضاً لمرض فإن كان ثمة نصيب من صحة لهذا الاستنتاج فإن رفع الانتاجية في القطاع العام يحيلنا للاهتمام بتطوير الموارد البشرية وتدريبها ورفع مهارات الأفراد وهو ما يقوله التاريخ الاقتصادي، ففي الثلاثينات من القرن الماضي اهتمت أمريكا بالاستثمار في الفرد لتحسين الإنتاجية واستثمرت في الموارد البشرية لتحقيق الفعالية واهتمت بجودة الحياة وتحسين وتحفيز الإبداع وكانت دائما تقف خلف ذلك صناديق وأموال هائلة كان لها دور مهم وإن تبين فيما بعد أنها خدمت قطاع أصحاب الأصول ولكن تهمنا الطريقة الأمثل لخدمة اقتصادنا وهي أن ينصب الاهتمام الرسمي بالتعليم وبالفرد وخصوصاً برفع إنتاجيته ومهاراته ليواكب كل زمان ومكان بغرس ثقافة أداء العمل بمهنية وإنتاجية وبالضرورة دعم الدولة للبحث العلمي حتى يتحقق جانب تحفيز الإبداع الفردي لتوليد منتجات جديدة ، القطاع الخاص لوحده لن ينخرط في الاستثمار في الإبداع لمخاطره وهذا أمر معلوم في كل تجارب العالم ويؤكده الواقع مثلما تؤكده التطورات الهائلة في أبحاث الانترنت التي تقف خلفها استثمارات حكومية أمريكية تستهدف التقنية الحديثة، وفي الحقيقة كلها ناتجة من دعم من القطاع العام ولهذا نحتاج لإنفاق عام في هذه المجالات مع الإنفاق على الموارد البشرية فهي مورد لا ينضب كأهم رأسمال وطني لا يقل عن أهمية البنية التحتية لأي اقتصاد. إن استيعاب هذه المعاني يحقق التقدم الاقتصادي ويحقق المستقبل الزاهر المتطلع إليه وإلا فإن التمنيات تظل أماني مهما لوحت بشعارات الخصخصة.

أخبار ذات صلة

القرآن الكريم ورونالدو..!!
أكبر مشروع للثروة الحيوانيَّة بالشرق الأوسط
الصحافة الورقية
سوريا «العربية» والدبلوماسية «السعودية»
;
العرب بين 1916 و2024.. مكانك سر!
حكايتي مع الإِدمان
مُد يدك للمصافحة الذهبية
السعودية.. الريادة والدعم لسوريا وشعبها
;
المتيحيون الجدد!
المديرون.. أنواع وأشكال
أين برنامج (وظيفتك وبعثتك) من التطبيق؟!
علي بن خضران.. يد ثقافية سَلفتْ!
;
من يدير دفة الدبلوماسية العامة الأمريكية؟!
الرياض.. بيت العرب
جميل الحجيلان.. قصص ملهمة في أروقة الدبلوماسية
الجزيـــــــرة