جسر للإنسانية بين مصر والمملكة
لن يندهش المرء من عبقرية الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-، ولا يندهش مِن تفرُّده وتميّزه ببصيرة نافذة لقراءة المستقبل، وقد كُتبت مُطوّلات وقُدِّمت أوراق في هذا الجانب، ولن أُضيف جديداً، ولكني أورد حقيقة أنه كان مُحبًّا للعرب، وقد سعى بجهدٍ لا يعرف الكلل؛ لتعميق أواصر العروبة، وخاصة في قيام تكامل اقتصادي بين أقطار الجامعة العربية، لا عجب أن طبعت تلك المعاني كل مرحلة، وصارت من أهم أجندات كل ملك تولّى ولاية الأمر بهذا البلد الأمين، وقد كان الطابع الإسلامي والإنساني والأخوي غالب على التعامل والتعاون مع الأشقاء، فقد دعمت المملكة أشقاءها دون منٍّ أو أذى، لا عجب أن يُسمِّي الناس (أبومتعب) -رحمه الله- بملك الإنسانية، لتعامله الإنساني، وعاطفته نحو إعلاء شأن المرأة، وتمكينها في إطار نصوص الدين والسنة المطهرة، ولا شك أن الملك سلمان تشكَّل تفكيره داخل هذه المدرسة، مدرسة الملك عبدالعزيز، وقد ورث من سلفه الصالح ممارسات عمّقتها خبراته في مجالات القيادة والإدارة، والتعامل مع التحديات الدولية.والملك سلمان اليوم يُجسِّد ما يُؤمن به، ومن أهم ما طبع عهده، تكريسه لفكرة جمع الصف العربي بمداخل اقتصادية وتعاونية، لعل ذلك يُشكِّل حلقة في بناء أكبر، وهو تكتل الأقطار الإسلامية، لتُحدث توازن تحتاجه العلاقات الدولية اليوم، وقد أولى -حفظه الله- وضع مصر مكاناً عليّا في هذه الرؤية الكلية، ومنحها الاهتمام اللازم في وقت تكالبت عليها الضغوط الداخلية والخارجية، ويبدو أن العالم الخارجي أعطى ظهره لمصر، وأبلغ تجليات ذلك ما يواجه اقتصاد (أم الدنيا) الذي صار فيه (الجنيه المصري) يتهاوَى أمام العملات الأجنبية، وصارت القوة الشرائية في تراجع مُرعب، يُماثل حالة من الانهيار الاقتصادي الذي انعكس على عيش المواطن في تلك الديار، لحد أن الجنيه المصري لم يَعُد مُتداولاً في الخارج، إلا في الإمارات والمملكة، على أن دعم الملك سلمان لهذا البلد العزيز مالياً، وبإنشاءات تحتية، وإنشاء جسر يربط بين المملكة ومصر، وتوقيع ستة عشر مذكرة واتفاق يصب في مصالح المملكة الاقتصادية ولاشك في بناء الاستراتيجية الكلية للملك سلمان، فهذه الاتفاقات ضخَّت الدم في شرايين الاقتصاد المصري، وستُعزِّز من تسهيل حركة المعتمرين والحجاج، ليس من مصر فقط، ولكن من إفريقيا شمال وجنوب الصحراء، وهو وضع بقدر ما يُؤكِّد وقوف المملكة مع مصر، سيُميِّز موقعها ويمنحه الحيوية التاريخية التي طالما جعلت من (أم الدنيا) رابط للمصالح، وعمق استراتيجي لشعوب المنطقة. ولاشك أن زيارة الملك سلمان لتركيا تُكمل الحلقة، وتُوضِّح الصورة بجلاء لمن يريد قراءتها بعيونٍ ليس بها رمد، فهي تُؤكِّد أنه ابن أباه، صاحب رؤية وعبقرية نافذة وناضجة في قراءاتها واستنتاجاتها.