أسطورة اليد الخفية

أسطورة اليد الخفية
يزعم بعض الاقتصاديين أن الأسواق من طبيعتها الاتجاه نحو الاتزان، وهو ما يوجب علينا عدم إعاقة تلك الطبيعة، ولكن ثبت أن هذه أسطورة حقيقة تجاهلت مشاعر الإنسان ورد فعله وطبيعته كفرد له تصرفات إنسانية معاشة من حيث تباين التقديرات ومعايير الأحكام، وهذه الأسطورة تتجاهل ذلك مثلما تجاهلت الطباع الثقافية التي تُؤثِّر في التبادل الاقتصادي بين الناس في أنحاء الأرض وفي جميع الأزمان، إن الافتراض الذي بُنيت عليه الأسطورة يضع جميع الناس داخل معادلة رياضية، ثم يتوهَّم صحّتها، مما يطعن في صحة طرح ما يُسمّون بالاقتصاديين الليبراليين الجُدد، رغم أنهم يُمثِّلون التيار السَّائد اليوم، بسبب شعارات برَّاقة تحتضن استراتيجيات الخصخصة وتقليل الأنظمة، وإطلاق يد الأسواق، ثم يتمخَّض الجمل عن فأر بتفكيك التنظيمات المطلبية لكسر شوكة النقابات العمالية وخفض الأجور، وتحريك جيب من البطالة داخل الاقتصاد، وهذا كله لخدمة توجُّهات أيدلوجية ليست اقتصادية بالمعنى الموضوعي لعلم الاقتصاد، ونقطة ضعف هؤلاء الأيدلوجيين أنهم صاروا مشكلة لأي اقتصاد طبق استراتيجياتهم وشعاراتهم، التي تتوهَّم أنها وسيلة للنمو، ولكنها تُحقِّق عكس أهدافها ومقاصدها.إن أسطورة ترك الأسواق تُصحِّح مسارها، تتوهَّم أن المستهلك إنسان عاقل، ويتّخذ أفضل القرارات الاستثمارية التي تخدم أفضل مصالحه، ويستنتجون أن الفرد أدرى بمصالحه من غيره، بينما الواقع يقول بعكس هذه الافتراضات من حيث توجُّهات الفرد ومعدل وعيه وتتباين الأمزجة، فضلاً عن اختلاف مهارات الأفراد في اتخاذ القرارات، فمصلحة الإنسان قد تُصبح دوافع طمع أو غرور وانتقام من الآخرين، أفرادًا أو مجتمعًا، وقد يبحث عن مد نفوذه أو إشباع رغبته بالشهرة أو تحقيق طموح غير واقعي، ولهذا فالأفراد ليسوا متطابقين في إدراك الأولويات المصلحية، أو إصدار القرارات، كما أنهم ليسوا آلة يتم إصدار أحكام قاطعة عن تصرفاتها أو التنبؤ بها.عندما كتب «آدم سميث» -أبوالاقتصاد- مُؤلِّفه (ثروة الأمم) في عام 1776، كتب عن (اليد الخفية)، لكن حينها لم تكن في مكاتب الدراسات الاقتصادية في أدنبرة بحوث تثبت العكس، ولكن بعد مئة عام تقدَّمت بحوث الأسواق وبحوث الحضارات السابقة، وبيّنت الحفريات أن لا صحة بوجود (يد خفية)، مما استلزم وجود جهات رقابية تضبط تصرفات السوق وتُصوّبها نحو المصلحة، وهو المعنى الذي ورد قديمًا في الفقه الإسلامي المستنبط من السنة النبوية والنص القرآني المقدَّس، الذي عالج مشكلات الزمان والمكان، ولهذا بدون وجود جهات رقابية ستنتشر الفوضى والغش والتدليس والخداع والطمع، عبر التلاعب بالقوائم المالية، وقد يتحوَّل السوق من التنافس الشريف إلى نوع من الجريمة المُنظَّمة، ولهذا أيدلوجية الليبراليين الجُدد يصدق عليها قول الشاعر: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونهوصدق ما يعتاده من توهم...!!!.

أخبار ذات صلة

«اسحب على الجامعة يا عم»!!
حكاية مسجد في حارتنا..!!
شر البلية ما يُضحك
أطفالنا والشاشات
;
الرد على مزاعم إسلام بحيري في برنامجه إسلام حر
السعودية ومرحلة الشراكة لا التبعية
جلسات علمية عن الخلايا الجذعية
الشقة من حق الزوجة
;
المزارات في المدينة المنوَّرة
خطورة المتعاطف المظلم!
خطورة المتعاطف المظلم!
لماذا يحتاج العالم.. دبلوماسية عامة جديدة؟!
أدب الرحلات.. والمؤلفات
;
كيف نقضي على أساليب خداع الجماهير؟!
المتقاعدون والبنوك!!
د. عبدالوهاب عزام.. إسهامات لا تُنسى
فلسفة الحياة.. توازن الثنائيات