من هلسنكي لواشنطن
إن غايات خطة التحول الاقتصادي 2030 أن تدفع الاقتصاد الوطني في مسار صحيح وفق تطبيقات مفاهيم الجهاز الرأسمالي الذي تعمل ضمنه دول غربية ولاتينية وآسيوية وأفريقية فضلاً عن دول عربية ، فالمملكة مثل سائر الدول تراعي مصالحها وتأخذ بمحاور الجهاز الرأسمالي أو بنسخة معدلة تتفق مع الخصوصية الثقافية للمملكة كحقوق الفرد والملكية الخاصة.لكن للمقال صلة بنتائج الممارسات الرأسمالية على الاقتصادات الوطنية، إذ يوجد نموذج هلسنكي عاصمة جمهورية فلندا ونموذج واشنطن العاصمة الأمريكية وكلا النموذجين يستندان لمفهوم الجمهورية ووجود ديمقراطية تمثيلية يدلل عليها انتخاب أعضاء يمثلون المناطق التي تتكون منها الجمهورية كمشرِّعين يسنُّون القوانين والأنظمة ويعتمدون توجهات الدولة في السياسات العامة بافتراض أن ذلك يجعل من الدولة تتوخى العدالة وصيانة الحقوق الفردية وضمان حرية الجميع بموجب وثيقة الدستور التي تنص على عدم تعديل الحقوق من الأغلبية إلا بشروط لا تتوافر بسهولة.اختياري لنموذج فلندا على واشنطن لأنه بضدها تتبين الأشياء إذ رغم أن كلتا العاصمتين تعملان من داخل الجهاز الرأسمالي كجمهوريتين لهما هيكل حكم يكاد يكون متطابقاً في المظهر ولكن في التطبيقات تحدث الفروقات والمفارقات إذ أن فلندا طبقت نسخة من الرأسمالية الاشتراكية الديمقراطية وأمريكا تدبر اقتصادها تحت رايات الليبرالية ولكن النتائج وانعكاسها على المجتمع صنفت فلندا الدولة الأولى في تنمية الموارد البشرية والتعليم ومن الأوائل في متوسط الأعمار والرعاية الاجتماعية وتأهيل المساجين وفي معايير جودة العيش الكريم والرفاه والبيئة والحد من تلوث الهواء وفي معامل جيني الذي يقيس تفاوت الدخول تتمدد فيها الطبقة الوسطى. بينما الولايات المتحدة وهي أكبر اقتصاد في العالم انعكس تطبيق الليبرالية فيها على المجتمع سلباً وأشرت البوصلة إلى أن 1% من الأمريكيين يستحوذون على 90% من الثروة وأن 50% من الايرادات تذهب لجيوب شريحة لا تتجاوز 1% مما أكد حجم الخلل الذي حدث عند نقطة انطلق منها وهي فترة الرئيس ريغان وتاتشر لأنه قبل تلك المرحلة كانت الزيادة في أرباح المنشآت تكاد تكون تشاركية لأن ما نسبته 30% يذهب للعاملين و70% لحملة الأسهم ولهذا قعدت خصخصة ريغان المتوحشة التي هلل لها البعض بتلك الروح التشاركية وغيَّرت معادلتها بأن جعلت كل الأرباح تقريبا تذهب لحملة الأسهم بينما يظل معدل الأجور لا يرتفع إلا بهامش يمتصه التضخم وارتفاع تكلفة مستوى المعيشة مما عمق الفجوة وإن ميز جذرياً التجربة الفلندية عن الأمريكية ،ولهذا بقدرما ترتفع الضرائب في فلندا تتعزز دولة الرعاية الاجتماعية بينما في أمريكا صنفت الدولة الأولى التي ضرائبها أقل على الأغنياء والأولى في فقر الأطفال ..وليس ثمة مفارقات مثيرة للدهشة بأن نسبة ضرائب أغنى أغنياء أمريكا أقل من التي تدفعها سكرتيرة مكتبه.. ومن ثمارها تعرفونها.