دوارات واقتصاد !!
عرفت عروس البحر الأحمر بنكتها الخاصة التي طالما لاءمتها واجتذبت روادها واستقطبت زوارها وصارت فراشة ورحيقا، ومن يأتيها توقعاته منها مرتفعة ولكنه لا يلبث أن يندهش من مفارقاتها وخاصة من زحام شوارعها وفوضى قيادة السائقين ،فمن يقود في جدة سيواجهه وحل أولويات الدخول للدوار وبالمدينة فائض من (الدوارات) مما يستلزم ضبط الوقت وايقاع الضغط رغم وجود معايير عالمية وأنظمة مرورية تحدد طرق السير وتُعرف السائق بأولويات الدخول للدوار ولكن لأهل جدة أعراف غير مكتوبة تعكس نوعاً من الاتفاق الضمني على الفوضى المنظمة ،وتتوفر ثقافة تبدد الوقت باعتبار الوقت خارج المعادلة الاقتصادية وهي تصالح الفوضى وتمارسها بانضباط مدهش وقديما قيل (من شب على شيء شاب عليه) ، لكن رسوح هذه الأعراف تعقد من مهمة من يسعى لتغييرها ، لاعجب أن برزت مفارقة مثيره للتبسم بأن الزائر نفسه لا يلبث أن يقلد أهل جدة ويصير منهم.إن الفوضى المنضبطة تنتقل من الدوارات لتطال ثقافة الأداء بالشركات إذ إن القوى العاملة رغم وجود أنظمة عمل تحكم أداءها وإنتاجيتها ولكن حيثما دخلت لشركة قد تجد تعبيراً عن ثقافة الفوضى المنظمة فالاهتمام بالوقت تحكمه عبارة (إن شاء الله)، وهي من (مدهشات) المديرين الجدد القادمين من ثقافات مغايرة لا تستوعب دلالاتها ولهذا يسارع المدير الجديد ويلح بإنجاز المعاملة وقد يسأل عن وقت محدد، وتأتي الإجابة عفوية وتلقائية بثقافة (إن شاء الله) والعبارة كما نعلم لها ظلال تتصل باعتقادنا الاسلامي الصحيح ولكن من يستخدمها يقول بها عفو الخاطر ولكن في غير موقعها مما يبدد الوقت لدرجة تثير الحنق عند من لم يتعوَّد على إجابات مفتوحة على كافة الاحتمالات ولهذا من الطبيعي أن لا يستوعبها، ومن المتوقع أن يتساءل ماذا تعني بـ (إن شاء الله) ،هل تعني الوفاء بمتطلباتها، أو تعني (سم طال عمرك) أو التأكيد بأن المعاملة ستنجز أم ماذا ؟لاشك أن فوضى القيادة بالطرق والأداء بالشركات لها صلة بثقافة راسخة وسائدة والتجارب المعاصرة علمتنا أن تغيير الثقافة يأخذ جيلاً كاملاً ولهذا استمرت جدة تقاوم التغيير كما حدث في سنغافورة التي قضت زهاء ثلاثين عاما لتحدث التغيير الثقافي ولكن حين تتغير الثقافة تُحدث قفزة اقتصادية هائلة ،وتغير ثقافة عروس البحر في أهمية تغيير الفرد مما يستلزم رفع وتيرة الاهتمام بدور المدرسة والمعلم وتعزيز جودة مخرجات التعليم ..إن دور المعلم في تصويب الثقافات بمثابة كلمة السر للدخول لأي مغلق فالمعلم ملهم ويقود تغيير الثقافات وصدق أحمد شوقي حين قال:( قم لـلمعلّمِ وَفِّـهِ الـتبجيلا كـادَ الـمعلّمُ أن يـكونَ رسولاأعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يـبني ويـنشئُ أنـفساً وعقولاً؟)