ليس الآن يا برنارد

ليس الآن يا برنارد

أدب الطفل بالمجمل يوفر شرحًا وافيًا عن العالم كما يبدو ولكنه أيضًا يحاول في نموذجه الكلاسيكي أن يتحيز للعالم كما يجب أن يكون. قلة من الكتّاب فقط هم الذين يتجرأون على تسخير الكلمة والصورة على مستوى الأسلوب، والفكرة والخطاب على مستوى البنية، لصناعة فكرة جريئة تتأرجح بين الواقع وعالم المثال. من مواصفات هذا النوع الجريء من أدب الطفل أنه يقدم احتمالات مزدوجة للفهم وأصوات متعددة وأكثر من نسخة لنفس الحبكة داخل أجواء النص، كل ذلك لجعل الطفل يصارع أثناء بحثه عن المعنى بدل أن يتلقاه لقمة سائغة على يد الكاتب. كتاب ديفيد ماكفي الذي رسمه أيضًا «ليس الآن يا برنارد»، يعتبر نموذجيًا في هذا المضمار، تحكي القصة عن برنارد الطفل الذي يحاول لفت أنظار أبيه وأمه دون جدوى، يهدد أمه أن وحشًا سيلتهمه لكنها لا تعيره بالاً فيتجه للحديقة وهناك يستسلم للوحش الذي يلتهمه في قضمة واحدة ثم يعود متلبسًا صورة وحشه ليسيئ التصرف ويعبث في المنزل ويعض قدم والده الذي يصرخ في وجهه ويردد عليه الجملة التي تكررت منذ بداية القصة: ليس الآن يا برنارد، لم يلاحظ الوالدان أنه أصبح مختلفًا، ذو فروة بنفسجية، كبيرًا ومخيفًا حتى حين يقول لأمه صراحة في الصفحة الأخيرة: أمي إنني وحش، تغلق نور الغرفة لينام الطفل وتردد ببرود: ليس الآن يا برنارد؟!قد تحمل القصة بصيرة ذات تصور قاطع عن نفسية الطفل، لكنها أكثر من ذلك أيضًا، إن رسالة الكاتب تتكلم بلسان لغتين متقابلتين في وقت واحد فالبالغ سواء كان أبًا أو أمًا سيشعر أثناء قراءة النص مع طفل صغير أن الكاتب يخاطبه ومهما أظهر تماسكه قد يشعر بانزعاج خفي وهو يقلب صفحات القصة كأن أصابع الاتهام موجهة نحوه فالمعنى محمل بتقطير الإحساس بالذنب تجاه الطفل المهمل. رغم أن الصور بسيطة لكن الكاتب الرسام يتواطأ على الطفل والبالغ معًا في جعل الشعور مزدوجًا ومربكًا فبرنارد مثلاً في بداية القصة يحدث أباه: مرحبًا أبي، ويتوقع استجابة أبوية ملائمة لكن الأب في حقيقة الأمر كان منشغلاً بضرب الحائط بمسمار وحين يتشتت ويضرب يده بالمطرقة يصرخ: ليس الآن يا برنارد، يسير برنارد متجهمًا ليتلقى نفس الرد من أمه في مواقف مثيلة، أنت في حيرة من أمرك ففي بعض اللحظات تجعلك الصور تشعر أنك مشارك في إهمال هذا الطفل وفي أحيان أخرى تتخذ موقف الدفاع عن نفسك في صورة الوالدين في القصة، لكن الحبكة تحمل على عاتقها باتزان وجهتي النظر وتخبر الكثير عن عقد التواصل مع الطفل بعمق وبساطة بالغة في نفس الوقت. برنارد ابتلعه الوحش، وهذا المجاز الهائل ليس طارئًا بل متأصلاً في البشر كبارًا وصغارًا على السواء كل ما في الأمر أنه ربما أن الطفل الصغير هو فقط من يمكنه أن يرى ذلك الزغب البنفسجي الذي يظهر على جلودنا أحيانًا حين تلتهمنا وحوش دواخلنا البعيدة.

أخبار ذات صلة

قطار الرياض.. إنجاز يقودنا إلى المستقبل
كورنيش جدِّة والمستهترون
«الستر» قيمة حياتية وصفة ربانية
ورم عبر القارات!!
;
قصَّتي مع جبل فوجي..!!
ميزانيَّة الخير: نجاحات رغم التحدِّيات
حملة «وعد» هي السَّند
الطرق البطيئة
;
في العتاب.. حياةٌ
مهارة الإنصات المطلوبة على المستوى الدولي
مقوِّمات.. لاستقرار الشركات العائلية
ستيف هوكينغ.. مواقف وآراء
;
لا تخرج من الصندوق!
(قلبي تولع بالرياض)
سياحة بين الكتب
تمويل البلديات.. والأنشطة المحلية