خسرت الحوار
تاريخ النشر: 29 أغسطس 2016 02:27 KSA
غني عن القول أن الحوار وسيلة حضارية لا غنى عنها ولكن الحوار الناجح له أسس وأساليب ومناهج تحكمه لأنه يتم بين طرحين مختلفين وهدف كل طرف إقناع الآخر بحجته أو أقلها توليد رؤية ثالثة غابت عن الأول ولم يحط الثاني بها خُبراً، ويصدف أن يخرج الحوار عن أطره فيتوسل أحد الطرفين التهجم والشخصنة وازدراء الأصول أو الاعتقاد أوالطعن في الولاء الوطني ،عندها يدخل الناس في جدل بيزنطي سلبي قد يدفع بأطرافه للعبث الذي لا يليق، وأخطر ما في هذا الحوار الطعن في الاعتقاد الديني وصحته وهو سائد في ظل الانفلات الفكري، لهذا كثيراً ما يتهم أحدٌ الآخر في نواياه التي لا يعلمها إلا الله ولا يتحرج أن يشير عليه بانه إنما يريد تمزيق وحدة المجتمع، وهي كلمة حق أريد بها باطل فقد يكون السبب أن النقاش دخل باب المسكوت عنه اجتماعيا أو ما صار متعارفاً عليه ثقافياً بالخصوصيات التي يُمنع الحوار فيها فالاقتراب من ساحتها يجلب هذا النوع من التهجم ولكنه خسارة للحوار لأنه يشخصن موضوع النقاش ليمارس الإرهاب الفكري. وكاتب هذه السطور عرف باهتمامه بالحوار في المجال الاقتصادي لإدراكه بأنه مدخل للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وللنمو في المدى الأبعد ولا أرى سبيلاً لأي نجاح في أي مجال الا بالحوار .. وكنت وما زلت أرى في فكرة منبر الحوار الوطني الذي أنشأه الملك عبد الله رحمه الله تعبيراً عن الحاجة لثقافة الحوار وتعزيزها لأن غياب الحوار يفرز عقلية مروجي التطرف ومحتضني أفكار 11سبتمبر.لهذا تكميم الأفواه بمنع تناول الخصوصيات الاجتماعية بقصد سد أبواب الذرائع لا شك أنه من حسن النية ولكن سد الذرائع لا يؤدي إلى نتيجة لأنه يستسلم لنظرة غربية موغلة في تنميط الإسلام وخصوصاً بالمملكة التي يلصق البعض باعتقادنا الصحيح أوصافاً مثل أعداء المذاهب الأربعة أو قد يدمغون كل المجتمع السعودي بأنه متعصب دينياً، والحوار مع هؤلاء دواء لهم بينما قفل باب النقاش يساعدهم على تعزيز صناعة وتنميط المملكة بأنها متزمتة واتهامها بما ليس فيها ،ولهذا الحوار معهم فيما بيننا مفيد لأنه يولد أفكاراً تساعد على أن يكون النقاش وسيلة لحل الاختلاف ولاستيعاب المقاصد الكلية للإسلام وموقع الثقافة الاجتماعية من تلك المقاصد وأين تفارقها. إن الصحافة الغربية التي تطفح بالتهجم على المملكة تؤكد جهلها بالمذاهب الأربعة فضلاً عن إن كان الإمام محمد عبد الوهاب قد أسس مذهباً خامساً.ومع ذلك لابد أن نتخلق بأخلاق الخلق من حيث أن يكون الحوار موضوعياً حول أي موضوع دون قيد أو شرط فالشروط المتعارف عليها إسلامياً وأكاديمياً وإنسانياً تقول الحجة تدحضها الحجة والمنطق ينفيه المنطق الأقوى ومن يخرج عن تلك الأطر يخسر نفسه ويخسر الحوار وثقافته وليس له ثمة بديل حضاري آخر أمامه أفضل من الحجة ودحضها بأختها.