الارتقاء إلَى مرتبة الإنسانية..!

الارتقاء إلَى مرتبة الإنسانية..!
تَتنوّعُ أهدافُ الإنسَانِ في الحيَاة، ويسْلُكُ الأسوياءُ الدُّروبَ المشروعةَ لتحقيقِها، وأسمَى تلكَ الأهدَاف وأرْقَاها أنْ يكُونَ الإنسَانُ إنسانًا حقيقيًا، ذلك أنّ الإنسانيّةَ رابِطةٌ وثيقةٌ مِن الدّمِ والمشَاعرِ والأفكَار، تَربطُ بينَ أبناءِ آدَم وحَوّاء على هذهِ الأرض، مهْما اختلفَتْ أديانُهم وتعدّدتْ ألسنتُهم وتباعَدَتْ أوطانُهم.الإنسانيّة سَفينةٌ ضَخمةٌ تَحْمِلُ البَشرَ جَميعا، تَشقّ بِهِم مُحيطَ الحياة، وتأخذُهم في رحلةٍ طَويلة، تمتدّ بامتدادِ أعمَارِهم، أحيَانًا، تثورُ الأمواجُ، وترتفعُ غاضِبةً بوجهِ السفينة، يَقتربُ الناسُ مِن بَعضِهم، ليتشَاركُوا الطّمأنينة، مع أنّ كلَّ واحدٍ منهُم مليءٌ بما يَكفي مِن الرُّعب، تهدأُ الأمواجُ، وتستمرُّ الرحلَة، بِانتظَارِ مَوْجةٍ غَاضبةٍ أُخرَى.!ليسَت الرحلةُ في سفينةِ الإنسانيّةِ عبْرَ مُحيطِ الحيَاةِ كلّها خوفٌ واضطرَاب، فهُناكَ زرقةُ السّماء، وصَفْحةُ الماءِ الصّافيةِ علَى امتدَادِ النّظر، والنجومُ المتلألِئةُ في قُبّةِ السّماء، والنّسَماتُ العليلةُ مِن كلّ اتجَاه، وتحليقُ النّوارسِ في الجِوار، لالتقاطِ ما يجودُ بهِ المسَافِرونَ مِن بقيّةِ طَعامِهم، وأصواتُ الأطفالِ وضحكَاتِهم، ووشوشَات الأحَاديثِ بيْنَ المُسَافرِين.إنّ الإنسانَ الخائفَ بإمكَانِهِ أنْ يتشاركَ الطّمأنينةَ معَ جارِه، وبِاستطَاعتِهِ تقاسُمِ طَعامِهِ مع جيرَانِه، وحتّى معَ الكائناتِ الأخرى، وهكَذا، متى ما استَشْعرْنا إنسَانيّتَنا، أَصبحَ بمقدُورِنا استخرَاج النّعمة مِن جَوفِ البَلاء، وإهدَاء السّعادَة والرحمَة لأنفُسِنا وإخوانِنا مِن بَنِي البَشر.الإنسانيّة ليسَت عِبْئًا نتخفّفُ مِنْه، أو مرحَلة زمنيّة ننتهِي منها، ونتجَاوزها إلَى غيرِها، إنّها الاختيَارُ الوحيدُ أمامَنا، فإمّا أن نتّصِفَ بِها، أو نُصْبِحَ وحُوشًا كَاسِرة، أسلحَتهَا مخالِبهَا الحادّة وأنيابهَا القاطِعة، ننقَضّ علَى الضّعيف واليَتيم، فنأكُلَ حَقَّه، ونسْتقْوِي علَى المرأة، فنَسْلبَها إنسَانيّتَها بالظّلمِ والجورِ والعُدوان، ونستهينَ بالكَبيرِ والعاجِز، فلا نرحمهُما أو نقدّر شيخوختَهُما وضعفَهما، وتمتدّ أيدِينا إلَى ما لا نَملك، فنَسْرِقَ ونَغتصِبَ حُقوقَ الآخَرِين، وتطُولَ ألسنتُنا في أعراضِ النّاس، بالقَذْفِ والغيبةِ والنّميمةِ والاستهزَاء.الإنسَانيّة، يا شَقيقِي الإنسَان، ليست عيبًا تَخجلُ منه، أَو سُلوكًا تتورّعُ عنْ ممارستِه، أوصِفةً تَستحِي أنْ تُنعتَ بِها، إنّها وِسامُ شَرَفٍ تُعلّقهُ علَى صَدْرِكَ مَدَى الحيَاة، كُنْ رَائعًا جَمِيلاً، مهْمَا زادَ القُبْحُ مِنْ حَوْلِك، كُنْ نَظِيفًا نَقيًّا، حتّى لَو تَلَوَّثَ الناسُ جَمِيعًا، اِلزَم الصّدقَ والأمَانة، وإنْ صارَ الكَذبُ والخيَانةُ بِضاعةَ الجَميع، وإيّاكَ ثُمّ إيّاكَ أنْ تَندْمَ لأنكَ عِشْتَ إنسانًا حَقيقيًا، بَلْ هُم الّذينَ عليهِم أنْ يخجَلوا مِن زَيفِ أقنِعَتِهِم، وتَلوّنِ وُجوهِهِم!واسمَح لِي، يا ابنَ آدَم وحَوّاء، أنْ أَسألَك:هلْ تَحرِصُ علَى الترَقّي فِي إِنَسانيّتِك، كَحِرصِكَ علَى الترقّي فِي وَظيفتِك؟!هَلْ تحسّ بآلامِ غيرِكَ كما تحسّ بآلامِك؟!هلْ تتحدّرُ دمعتُك ألمًا علَى القَريبِ والبَعِيد؟!هلْ يَعتصِرُ الوجعُ قلبَكَ عِندَما تَعجزُ عَنْ مُساعَدةِ مَنْ يَحتاجُك؟!هَلْ تُسعدُكَ سَعادةُ الآخَرِين؟!سَأُحْسِنُ الظنَّ بِك، وأَفترِضُ أنْ إجابَاتكَ عنْ كلِّ الأسئلَةِ السّابقةِ كانَت بكَلمَة: نَعَم.هاتِ يدَك لأُصافِحَك، واقترِبْ منّي لأُعانقَك، وأَقولُ لكَ بِمِلْءِ صَوْتِي:مُبارَك عَليك، وهَنِيئًا لَك يا عَزيزي، أنتَ إنسَانٌ حَقيقي!.

أخبار ذات صلة

قراءة متأنية لرواية «رحلة الدم» لإبراهيم عيسى (3)
لماذا إسبانيا؟!
الموانئ والجاذبية في الاستثمار
احذروا ديوانيَّة الإفتاء!!
;
قصة عملية مياه بيضاء..!!
منتجات المناسبات الوطنية!
القيادة.. ودورها في تمكين المرأة للتنمية الوطنية
الرُهاب الفكري!
;
(1) رجب.. ووهم فجوة الأجيال
علماء ساهموا في بناء الحضارة الإنسانية
في ذكرى اليوم الوطني الرابع والتسعين
رسالة نافذة
;
صهــــرجة
النافذة المكسورة!!
التنمية.. والسياحة
مبادرة سعودية رائدة.. تُعزز القطاع غير الربحي