الدّين والمجتمع: ينبوعٌ واحدٌ ومساوئ متعدّدة..!!
تاريخ النشر: 17 نوفمبر 2016 23:26 KSA
إنّ المجتمع يُقاس بالدِّين، وليس الدِّين يُقاس بالمجتمع؛ فقد يسْفل المجتمعُ فتنفق فيه الآراء والأهواء على مصلحة يأباها الدِّين ويحسبها مضرَّة أو مفسدة يؤنَّب المجتمع من أجلها كما يؤنَّب الأفراد.وعطفًا على ذلك؛ فقد أساء الكثير من المسلمين إلى حقائق الإسلام الكبرى، وأصبح الإسلام في عالم اليوم بتلك الإساءة بقصدٍ أو بغير قصد (مسبَّة) للمديْنين به والحاملين لواءه!!إذ لا فضل لدينٍ على دين، ما لم يكن لهذا الدِّين فضل مطلوب، تتفاوت فيه العقائد كما تتفاوت فيها من يعتقدون به ومن لا يعتقدون، ولا شكَّ أنَّ الدِّين الإسلامي فضل كلّه، وخير كلّه. وهذا الفضل؛ وذاك الخير لا يستقيمان في العقل والنَّقل وهناك أناس يدينون به ويحتكمون إليه وهم أقرب النَّاس إساءة إليه؛ بما يحملونه من قبيح الفعل، وذميم القول.صحيحٌ أنَّ ذلك السُّوء الذي يحمله بعض المسلمين للإسلام لا يضير الإسلام في شيء، وإنْ تبدَّى في الأفق بين الفترة والأخرى من يُسقط على الإسلام بخيريته العظمى مساوئ المعتقدين به.لذلك غفل هؤلاء الجهلة أنّ الإسلام اتصال بالخالق، واتصال بالمخلوق المساوي له في الآدميّة والحقوق والواجبات، يلمسها من تأمّل فيها وألقى عليها في مجموعها نظرة عامّة بين العقائد والعبادات، وما يُشرع من معاملات وحقوق، ويُحمد من أخلاق وآداب. فهناك وحدة تامَّة يجمعها ما يجمع البنية الحيَّة من تجاوب الوظائف، وتناسق الجوارح والأعضاء.إنَّ الإسلام في مجموعه بنية حيَّة متَّسقة تصدر في العقائد والأخلاق والعبادات والمعاملات من ينبوعٍ واحد، فمن عرف هذا الينبوع عرف أنَّها من ربِّ العالمين، وأنَّ النبوَّة تعليم لا تنجيم، وأنَّ الإنسان مخلوق مكلفٌ بما أمره الله، وأنَّ الشَّيطان يغوي الضَّعيف ولا يستولي عليه إلاَّ إذا ولاَّه زمامه بيديه، وأنَّ العالم بما رحب أسرة واحدة من خلق الله، أكرمها عند الله أتقاها لله.والصَّحوة مطلبٌ محمود، واليقظة الواعية خيرٌ ألف مرَّة من يقظة باهتة لا تحرّك ساكنًا، ولا تُقوّم معوجًا، ولا تُصلح حالا.إنَّ التباشير التي بشَّر بها البعض في زمن الغفلة والجهل؛ هي في الجملة تباشير تُحمد لأصحابها، وتُوضع في سياقها من صفحات التَّأريخ بحسناتها وعلاّتها، إلاّ أنّ تلك الحسنات اتَّخذت منحى كان يجب أن تتجنَّبه؛ بل تسقطه من حسابها؛ كي تخرجَ ما في جعبتها نفعًا للعباد والبلاد؛ ولكنَّها مع تلك الحسنات وضعت نفسها في خندق أضاعت به الحسنات، وانفلتت بلا وعي إلى القشور لا الّلباب، واهتمَّت بالطّلاء لا الجوهر، فباعدت الشّقة بين النَّاس وما يؤمنون، وأوقعتهم في حرج ممّا يعتقدون، حتَّى أصبح الواحد شاكَّا في دينه ومعتقده؛ فتكاثرت سهام التَّكفير والتحليل والتَّحريم.فانقسم المجتمع بصورة ظاهرة أو مبطنة إلى شيعٍ وأحزاب وتناسى هؤلاءِ في غمْرة العاطفة الهوجاء أنَّ الدِّين الإسلامي أبسط بكثير ممَّا يتصوَّره هؤلاءِ أو يصوّرونه أمام الدَّهماء والبسطاء من عباد الله!!.