العنف الإلكتروني.. ابتزاز وتحرش وتشهير.. وأكثر ضحاياه نساء
تاريخ النشر: 17 ديسمبر 2016 10:45 KSA
تحول العنف الإلكتروني إلى ظاهرة متفاقمة بسبب كثرة المستخدمين للإنترنت وتباين أفكارهم وتوجهاتهم، كما انتشر مفهوم خاطئ للحرية عبر فضاء الشبكة العنكبوتية، جعل معتنقيه يعتقدون أن بإمكانهم ممارسة أي سلوك عنيف أو مشين، ماداموا بعيدا عن أعين الناس، وأن وجودهم منفردين وحدهم مع أجهزة الحاسوب يعني أن لا أحد يراقب سلوكياتهم ويضبطها، فنجدهم يلجأون للأسماء المستعارة وإخفاء شخصياتهم، كما لم يعد مستغربا أن نقرأ عبارات السب والشتم بأقذر الألفاظ سواء لأقران المستخدمين أو المشاهير أو التهديد المباشر أو نشر صور مسيئة باستخدام برامج تعديل الصور والمقاطع.
وعرّف المتخصصون العنف الالكتروني بأنه العنف ضد الآخر سواء بالابتزاز أو التصوير أو التهديد اللفظي أو الكتابة، وهو يستهدف كل الفئات وخاصة النساء، سواء من خلال التصوير أو تسجيل المحادثات أو الرسائل أو المقاطع الخادشة للحياء.
ويرجع المختصون العنف الالكتروني إلى عدة أسباب، منها ضعف ردود فعل الآباء التي تُشعر الجناة من الأبناء أنه ليس لأفعالهم عواقب وخيمة، ولذلك يشعر بعض المراهقين بحرية التعامل مع هذه التقنية فيرسلون ما يودون دون النظر إلى ما يحمله هذا المحتوى أو ما يسببه من أذى للآخرين، وكذلك نقص الوعي، ووجود فئات اجتماعية تنشر كل شيء من باب التندر أو التنمر بحثا عن الشهرة الزائفة، وهو ما يتسبب في استمرار السلوك الخاطئ دون علاج.
«المدينة» طرحت القضية للنقاش بين عدد من المختصين وذوي الخبرة، لنتعرف على كيفية علاج الظاهرة ومواجهتها، عبر هذا الموضوع.
عضو بالشورى: كثير مما يتداول عبر الوسائل تشهير وتحرشات وابتزاز
قال عضو مجلس الشورى باللجنة الأمنية علي التميمي: إن العنف الإلكتروني برز مؤخرا من خلال الانترنت وخاصة بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وانتشارها، فأصبحنا لا نجد أحدا إلا ويملك وسيلة للتواصل الاجتماعي سواء الفيس بوك أو الوتساب أو توتير وخلافه من البرامج والتطبيقات التي ظهرت مؤخرا. مبينا أن كثيرا من الدول وضعت ضوابط وأنظمة صارمة تجاه من يستخدم العنف الإلكتروني، وقد تصل عقوبات السجن إلى سنوات طويلة بالإضافة إلى الغرامات المادية العالية، وفي المملكة حُصّن هذا المجتمع بقواعد إسلامية صريحة تنص على عدم الإيذاء وعدم الإساءة، وقد صدرت كثيرا من الأنظمة والضوابط التي تحد من استخدام التطبيقات والانترنت من الإيذاء وخاصة التشهير والابتزاز والصور الخادشة للحياء التي ترسل من خلال التطبيقات. وقال: نرى أن كثيرا مما يتداول عبر الوسائل عبارة عن تشهير وتحرشات وابتزاز، ولهذا يقف المجتمع جميعا في وجه تلك الفئة المسيئة، التي عادة ما تكون ذات سلوك منحرف تستخدم هذه التطبيقات غير آبهة بمشاعر الآخرين، وقد انهارت كثير من البيوت وكثير من الزوجات والبنات بسبب ذلك، ولهذا نرى أنه واجبا على مرافق التعليم والمساجد والصحافة والإعلام أن يبينوا الآثار المترتبة على سوء استخدام الوسائل فيما يتعلق بالتحرشات والتهديدات والعنف الالكتروني.
خبير اجتماعي: مواقع التواصل المختلفة ميدان خصب لنشر الأفكار المسمومة
كشف عضو برنامج الأمان الأسري الوطني عبدالرحمن القراش، أن آخر إحصائية عالمية تبين أن ثلثي مستخدمي الانترنت من المراهقين، بينهم من يتعامل معه من أجل الدراسة وأغلبهم من أجل الاتصال بزملائهم أو ممارسة الألعاب الالكترونية والتعرف على مشاهير الفن والرياضة وتبادل الخبرات في مجال استخدام الانترنت. وقال: إن العنف عبر الانترنت قضية مستفحلة ومستمرة بسبب كثرة المستخدمين لها وتباين أفكارهم وتوجهاتهم لأن هناك فهما خاطئا للحرية الموجودة في فضاء الانترنت.
وأوضح أن الآثار المترتبة خلق جيل لا يبالي بالقيم ويعتبر التدخل في شؤون الآخرين فضيلة سواء بتهديدهم المعلن أو الخفي أو ابتزاز،انتشار الخوف من التعامل مع التقنية بالاسم الحقيقي واللجوء إلى الأسماء الوهمية، حصول ثغرات أخلاقية تجعل من المستخدمين للتقنية بشكل سيء أداة في يد من يرد بالأمن الاجتماعي والوطني سوء، انتشار حب الانتقام من الآخرين عبر التقنية أسهل طريقة للتسبب بأذيتهم.
واقترح طرق العلاج التأكيد الإعلامي والمجتمعي المستمر الذي يبين خطر الفضاء الإلكتروني بما يبثه ويرسخه من مشاعر الكراهية والتطرف والتعصب في نفوس المستخدمين أصبح يشكل أخطر التحديات التي تواجه دولنا في سعيها لتحصين وحماية الشباب من التطرف.
التنبه دوما بأن الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة ميدان خصب لنشر الأفكار المسمومة وتجنيد الشباب بسبب القابلية النفسية والعقلية لديهم ليشكل خطورة كبيرة تستوجب تحرك المجتمع لسد هذه الثغرة الإلكترونية الخطيرة عبر العديد من الإجراءات، والتأكيد على أن التعامل مع التقنية بشكل سيء يعتبر تهديدًا مستمرًا للسلم والأمن والاستقرار المجتمعي، وضرورة البحث بشكل عميق في الأسباب الثقافية والحاجات الاجتماعية للشباب من أجل معالجتها كي لا يقتصر الأمر على الإدانة أو الحديث عن الآثار والنتائج فحسب، تفعيل المنظومة القانونية التي تردع من تسول له نفسه التعدي على الآخرين، وسن تشريعات تربوية تواكب تطورات الفضاء الالكتروني لاحتواء الشباب.
أخصائي نفسي: العنف الإلكتروني نتيجة هجمات متعمدة على القيم والأخلاق
من جانبه أوضح المستشار الاجتماعي والنفسي أحمد النجار، أن من أشكال العنف الإلكتروني ما يُعرض من مشاهد على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة من مشاهد عنف مباشر أو تحث على العنف بشكلٍ غير مباشر، وأرجع أسباب العنف الإلكتروني إلى الهجمات المقصودة المُتعمدة على القيم والأخلاق والفضيلة بقصد تفتيت المجتمعات وإضعافها ونشر الجريمة فيها بكل أشكالها، وهناك أسباب تجارية ربحية وأسباب متعددة مختلفة أدت إلى نشوء وتطور هذا العنف.
وقال: إن الأطفال هم الفئة الأكثر تأثرًا بالعنف الإلكتروني نظرًا لكون معظم هذا العنف موجهٌ لهم بشكلٍ مُتعمد، ونظرًا لأنهم يفتقدون لكثير من معايير الحكم والقدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، ولسهولة اجتذابهم، وإعادة توجيههم، فإن تأثيره عليهم مدمر وسلبي للغاية، وقد يقودهم إلى تصرفات عدوانية وسلوك عنيف ينعكس عليهم وعلى من حولهم. مبينا أن ليس هناك نسب محددة، ولكن الأعداد كبيرة والشكوى في تزايد مستمر، ولكن هناك بعض النسب حول بعض أنواع العنف الإلكتروني كالعنف الموجه نحو الشباب على شكل تسلط وإيذاء نفسي، وفي هذا النوع تختلف التقديرات في عدد الشباب لمن تورط بجرائم الإنترنت، وتتراوح هذه التقديرات حسب دراسة قديمة ما بين 10%- 40 %، ويعتمد ذلك على عمر المراهق، وتعرف بـ»التسلط عبر الإنترنت»، وتعريف التسلط والعنف عبر الإنترنت هو: قيام شخص بشكل متكرر على فعل أمر مضحك مع شخص آخر أو اختيار شخص ما وإرسال رسالة نصية غير لائقة له عبر الإنترنت، وقد اختار هذا التعريف 20%من الشباب البالغ عددهم 4400 مراهق، وتتراوح أعمارهم ما بين 11 - 18 سنة، وأشاروا أنهم أصبحوا «ضحية» هذا العنف مرة واحدة من عمرهم، ونفس النسبة السابقة اعترف المراهقون أنهم آذوا غيرهم عبر الإنترنت، و10 %منهم أشاروا أنهم مرة كانوا ضحية ومرة أخرى كانوا جناة. وقال النجار: إن حل العنف الإلكتروني لابد أن يكون عبر حزمة من الإجراءات من جهات عديدة تبدأ بالمنزل، كما لابد أن تتحرك كل الجهات المعنية كالمؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية ووزارة الداخلية وغيرها للحد من هذا العنف.
خبير أمن معلومات: الابتزاز والتحرش والاختراق أبرز الجرائم الإلكترونية
من جانبه أوضح خبير أمن المعلومات محمد السريعي اتساع نطاق العنف الإلكتروني عبر الشبكات ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت أرض خصبة لأبرز الجرائم المعروفة في هذا الإطار، وهي الابتزاز والتحرشات والاختراق، وخاصة ضد المرأة، مبينا أن أشكال العنف الالكتروني ضد المرأة تعددت في الشبكات والتواصل الاجتماعي إلى عدة أشكال، ففي قضايا الابتزاز يعتبر تطبيق سناب شات نافذة لحرية المرأة وباب للعنف بعد ظهور بعض تطبيقات التي توفر تحميل مقاطع فيديو والصور من هذا تطبيق مما سهل على المبتز ابتزاز المرأة لما تنشره من مقاطع وفيديو خاص بها دون معرفة من هو الجاني عندما يقوم بتهديدها أو نشرها في حالة عدم موافق على طلباته.
أما التحرش الإلكتروني فهو استخدام الشبكات ومواقع التواصل الاجتماعي في توجيه الرسائل التي تحتوي على رسائل الإزعاج للمتلقي، سواء أكانت هذه رسائل للتعرف على المتلقي لأهداف جنسية، أو تحتوي على عبارات جنسية أو صور أو مشاهد فيديو مخلة أو التهديد والابتزاز باستخدام صور، أو استخدامها من دون موافقة صاحبها أو من دون علمه، ومشاركتها عبر وسائل التواصل. أما الاختراق فهو الوصول غير المصرح به إلى الأجهزة الذكية أو الحسابات الخاصة بالمرأة في الشبكات التواصل الاجتماعي مثل: سناب شات أو تويتر أو انستقرام أو أي تطبيق لغرض الحصول على الصور أو المعلومات الشخصية بهدف التهديد أو الابتزاز أو التجسس، مبينًا أن كل هذه الأشكال من العنف الالكتروني تندرج تحت غطاء الجرائم المعلوماتية التي يعاقب عليها نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية السعودية.
قانوني: الأنظمة تواجه الجرائم المعلوماتية.. وننتظر نظامًا ضد العنف الإلكتروني
من جانبه أوضح المحامي خالد دقاس الزهراني أن التكنولوجيا الحديثة ساهمت في انتشار أنواع جديدة من العنف ضد الأطفال والفتيات، ومن أكثرها شيوعًا المطاردة والملاحقة الإلكترونية، والابتزاز الإلكتروني، والمراقبة والتجسس على أجهزة الحاسوب، والاستخدامات غير القانونية باستخدام التكنولوجيا والإنترنت للصور ومقاطع الفيديو وتحريفها والتهديد بها، وانتحال الأسماء والشخصيات وغيرها، ويعد العنف الالكتروني من اخطر أنواع العنف لكون المصدر مجهولا وغير ملموس، فهذه المشكلة تكمن في أن المجني عليه إما أن يكون جاهلًا بالقوانين التي تحميه من أي عنف إلكتروني من ناحية، أو يرفض البوح خوفًا على العرض والفضيحة (كالفتيات)، وقد لفتت مواقع التواصل الاجتماعي أنظار الكثيرين في جميع أنحاء العالم بصفة عامة، وجذبت انتباه العديد من الفئات بمختلف المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعلى الرغم من ايجابيات هذه الشبكات، إلا أنها قد واجهت مع ذلك بعض المعوقات في استخدام هذه التقنية، إذ أن من أخطر ما ينطوي عليها توفير حرية سائبة للمستخدم، وغير منضبطة أو فوضوية، الأمر الذي أدى لتحولها إلى ساحة مفتوحة لممارسة جميع أنواع الإجرام الممكنة والمحتملة، ومن ضمنها ظهور العنف الإلكتروني أو ما يسمى بالعنف التقني أو العنف الرقمي، ويعرّف بأنه العنف الذي يمارس من خلال المواقع الإلكترونية، واستخدام كاميرات الموبايل، والبلوتوث، والتسجيلات الصوتية، بالإضافة لاختراق الخصوصيات عبر مواقع الانترنت؛ بهدف إيقاع الأذى بالآخرين.
وقد قنن النظام السعودي أنظمة لمواجهة تلك الجرائم عن طريق وضع نظامًا لحماية الطفل من جميع أنواع العنف عام 1436هـ، وإدراكا لأهمية تنظيم التعاملات الإلكترونية وحمايتها، وافق مجلس الوزراء منذ العام 1428هـ على نظامي مكافحة جرائم المعلوماتية والتعاملات الالكترونية، وكان ذلك للحد من وقوع الجرائم المعلوماتية، والمصلحة التي يحميها النظام بهذه الصور الجديدة من الجرائم هي بلا شك المصلحة العامة التي تقتضي تأمين استخدام أجهزة الكمبيوتر وشبكة المعلومات الدولية (الانترنت) من عبث العابثين الذي يتمثل في ارتكاب جرائم الأموال وجرائم الآداب وجرائم الإرهاب وجرائم السب والقذف، وجرائم غسل الأموال.
ورغم كل ذلك فإننا نناشد المشرع سرعة وضع نظام خاص لمواجهة جرائم العنف الإلكتروني، وتبرز خطورة هذه الجريمة في كونها تتوجه إلى شريحة كبيرة من المستخدمين وبصرف النظر عن أعمالهم أو جنسياتهم، بل أن الخطورة تزداد أكثر عندما نعلم أن هذه الجرائم أكثر ما تقع على الأطفال والنساء.
سيدات وفتيات: واجهنا أشكالا مختلفة من العنف التقني
تقول الفتاة (س.ت): إنها ذهبت إلى إحدى محلات الاتصالات لإصلاح عطل في جوالها، وكانت تحتفظ عليه بصور لها، وبعد أن قامت بإعطائه الجوال قال لها: إنه لم يستطع فتح الإيميل القديم ولابد من عمل إيميل جديد، فوافقت وقام بعمل الإيميل ووضع الباسورد بنفسه ولم أشك في شيء.
وبعد فترة قصيرة أصبحت تأتيني إزعاجات على الجوال من أكثر من شخص فلم أعطِ الأمر أهمية، وبعدها أصبحت تأتيني تهديدات بأخذ صوري شكيت بنفس الشخص صاحب محل الجوالات، فقلقت جدًا وقمت بحذف الإيميل الذي قام بعمله لي، ولم أخبر أحدًا من أهلي خوفًا من المشاكل، وإلى الآن لا أعرف هل السبب من الإيميل الجديد الذي قام بعمله أم أنه أخذ صورًا لي من الجوال دون علمي، وحذرت الفتيات من الثقة في أصحاب محلات الاتصالات.
ومن جانبها قالت (غ.م): إنها تعرضت لكلام منحرف عبر برنامج الانستقرام، وحينما لم تتواصل معه بالحديث قام بإرسال صورًا خادشة للحياء من أجل استدراجها، وتقول: إن نفسيتها ساءت جدًا بسبب تلك التصرفات، مبينه أن هذا التصرف ليس المرة الأولى التي تواجهه، فهناك كثير من الأشخاص قاموا بنفس تصرفه ولكن هذا أقوى شيء حدث معها.
وتقول (ر.ح) إنها تعرضت لألفاظ بذيئة عبر برنامج انستقرام وصلت للقذف من شخص لا تعرفه، والسبب أنها لم ترد على تعليقاته وغزله، مطالبة بوجود عقاب رادع لمثل هذه الفئة المنحرفة، لأنهم أصبحوا بازدياد، خاصة بمن هم دون الثامنة عشرة عامًا. وتشير (ع.م) إلى أن ابنها يبلغ من العمر خمس سنوات، كان يشاهد برامج غير مناسبة مثل العنف بالبرامج الموجودة على جهاز الأيباد، وكان تقريبا أغلب يومه يشاهد هذه البرامج ووالديه لم يلاحظوا ذلك، وأضافت: إ ذلك العنف أثر في حالته النفسية والعصبية وأصبح شخصًا عنيفًا.