النظرية النقدية بين التقديس والتطبيق!

ثارت التكنولوجيا في بداية العصر الحديث، القرن التاسع عشر الميلادي، وثارت معها العولمة بشكل مباشر وكبير فربطت شرق العالم بغربه وشماله بجنوبه!. ومع هذه الثورة القوية أخذت الحضارتين الشرقية والغربية تتصل وتتأثر ببعضها البعض بصورة ملموسة وواضحة.

ومن الطبيعي أن يستقبل العالم العربي الغزو المباشر للعولمة فهو جزء رئيس من هذا العالم، وذو صلة تاريخية وثيقة بالتلاقح الثقافي والحضاري في كل مجالات العولمة الثقافية والاقتصادية والسياسية والحضارية. فمصر في العصر الحديث هي بوابة العرب العظيمة للعلوم والآداب والثقافة والحضارة الأوروبية. وجزيرة العرب، كما يقول طه حسين تأثرت كثيرًا بالحضارة والثقافة الأوروبية ولم يعد بإمكانها الفكاك من الاتصال بها بعد اقتحام العولمة بوسائلها الحديثة.


هذه المقدمة تأخذنا للحديث عن تأثير العولمة في مجال مدارس النقد الأدبي ومناهجه في العالم العربي. فالتأثر بمناهج النقد الغربي ومدارسه الأدبية بدأ منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي مرورًا بعصر الحداثة وما بعدها. ومن غير المنطقي أن لا يؤثر هذا التمازج بين الثقافتين العربية والغربية في إثراء معرفة القارئ المثقف والناقد العربي بمفاهيم وآراء ثقافية وفكرية وفلسفية مختلفة حول فهم النصوص الأدبية. ونتاج هذا الثراء المعرفي هو ما تتضمنه المناهج النقدية الحديثة كمادة علمية، وما نقرأ عنه في الصحف والكتب النقدية تحت مظلة الفتوحات الثقافية والنقدية الحديثة.

ولكن قد نتوقف قليلاً عند مسألة التطبيق النقدي لبعض هذه النظريات خصوصًا بعد ظهور العديد من نظريات ومناهج ما بعد الحداثة لنتأمل كيف أجريت العملية النقدية. ففي ميدان التطبيق قد نرى ثمة "خلل منهجي" أو فجوة في تطبيق بعض هذه النظريات الحديثة المستوردة في بعض الدراسات النقدية العربية. فما السبب يا ترى خلف وجود هذه الفجوة بين النظرية المستوردة والنص العربي؟


ولكن بعد الاطلاع على عدد من الدراسات النقدية رأيت أن النقطتين التاليتين قد تكونان من أهم الأسباب وراء وجودها.

فالأولى ربما تكمن من وجهة نظري في عدم توخي الدقة والموضوعية حول إمكانات النظرية وحدودها قبل تطبيقها (تطويعها)، فنجاح هذه النظرية أو تلك في بيئتها لا يعني -بالضرورة- أن تكون النظرية مقياسا للتطبيق على النصوص الشعرية والنثرية في بيئة غيرها؛ فهناك اختلافات فكرية وفلسفية بين النظرية الغربية وبين النص العربي.

أما الثانية فهي تتجسد في إغفال الوظيفة الأساسية لهذه النظريات والمناهج في النقد، وأنها في الواقع ليست إلا وسيلة -فقط- للكشف عن المعاني العميقة في النص الأدبي!.

وحضور هاتين النقطتين أو إحداهما في الدراسة النقدية هو ما قد يجعلها تتشبث بالنظرية الغربية لتحليل النص العربي ومحاولة فهمه، وإن خذلت النظريةُ المتَّبَعةُ الدراسةَ ولم تساعدها على سبر أغوار المعنى الخفي في النص العربي، ومعرفة بواعثه، وما يحيط به من مؤثرات، نجد الدراسة النقدية في محراب النظرية متبركة بها متكلِّفة ومتوسِّعة، بل ومطوِّعة إياها في النص بأي شكل كان كنوع من التقديس!.

وهو الأمر الذي يجعل المسألة في مثل هذه الدراسات النقدية تسير -على نحو كبير- بشكل عكسي، فبدلا من أن تكون النظرية مفتاحا لأبواب النص المغلقة (النص الروائي مثلا)، تكون النصوص خاضعة لمسايرة النظرية وتفسيرها محاولةً نفخ الروح النقدية فيها وهو ما يجعل النقد يفقد مهمته الرئيسة ويخرج عن المسار الصحيح!.

-----------------

(*) عضو هيئة التدريس بجامعة الباحة / باحث دكتوراه في النقد الأدبي الحديث

أخبار ذات صلة

"اسبقها" تحفّز المجتمع على ممارسة الرياضة
"اسبقها" تحفّز المجتمع على ممارسة الرياضة
بيفولين ومان أوف ذا نايت يتقاسمان نجومية الأسبوع الأول من موسم سباقات الرياض
بيفولين ومان أوف ذا نايت يتقاسمان نجومية الأسبوع الأول من موسم سباقات الرياض
البارالمبية الدولية تعتمد التعديلات الجديدة
البارالمبية الدولية تعتمد التعديلات الجديدة
الرياض تحتضن النسخة الثانية من منتدى العالم القادم نهاية أغسطس المقبل
الرياض تحتضن النسخة الثانية من منتدى العالم القادم نهاية أغسطس المقبل
;
أعذبُ الحبِّ
الكواكب الحسان
إبراهيم (ابر) طالع... والقصيدة النِّبراس!! مقاربة نقدية في التجربة الشعرية.. والمآلات الثقافية (2 - 2)
الرأي الآخر
;
إبراهيم {ابر} طالع... والقصيدة النبراس!! مقاربة نقدية في التجربة الشعرية.. والمآلات الثقافية {2 - 2}
خطر ثلاثي على مشاهدي الدراما العربية
مقاهي القاهرة الثقافية.. شيخوخة في الرمق الأخير
العلاقات أفسدت مشهدنا الأدبي وأفقدت الثقة فيه الجبيري:
;
الجبيري: العلاقات أفسدت مشهدنا الأدبي وزيّفت شعوره وأفقدت الثقة فيه
أدباء: «هيئة الثقافة» استفادت من تراكم التجارب وأمامها عمل كبير
إبراهيم (ابر) طالع... والقصيدة النِّبراس!! مقاربة نقدية في التجربة الشعرية.. والمآلات الثقافية (1 - 2)
إبراهيم (ابر) طالع... والقصيدة النِّبراس!! مقاربة نقدية في التجربة الشعرية.. والمآلات الثقافية (1 - 2)
عبدالله العامر: زمن المسلسلات انتهى
عبدالله العامر: زمن المسلسلات انتهى