رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي «٢»



حريَّة الرأي في الحضارة الإسلاميَّة حقٌّ مكفولٌ للمسلم، وثابتٌ له؛ لأنَّ الشريعة الإسلاميَّة أَقَرَّتْهُ له، وما أَقَرَّهُ الشرعُ الإسلاميُّ للفرد لا يملك أحدٌ نَقْضَهُ، أو سلبَهُ منه، أو إنكارَهُ عليه، بل إنَّ حُرِّيَّة الرأي واجبٌ على المسلم، لا يجوز أن يتخلَّى عنه؛ لأنَّ الله تعالى أوجب عليه النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يمكن القيام بهذه الواجبات الشرعيَّة ما لم يتمتَّع المسلم بحقِّ إبداء الرأي، وحريته فيه، فكانت حرية الرأي له وسيلة إلى القيام بهذه الواجبات، وما لا يَتَأَتَّى الواجب إلاَّ به فهُو واجبٌ.


وقد أجاز الإسلامُ حريَّة الرأي في كافَّة الأمور الدنيويَّة؛ مثل الأمور العامَّة والاجتماعيَّة، وفي مثال يُجَسِّد ذلك، ما ظهر من سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة -رضى الله عنهما- حين استشارهما الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- في مهادنة غطفان على ثلث ثمار المدينة حتَّى يخرجوا من التحالف يوم غزوة الأَحْزَاب.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء الحارثُ الغطفاني إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- فقال: يا محمد، شاطرنا تمر المدينة. قال: «حَتَّى أَسْتَأْمِرَ السُّعُودَ». فبعث إلى سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وسعد بن الربيع، وسعد بن خيثمة، وسعد بن مسعود -رضي الله عنهم- فقال: «إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّ الْحَارِثَ يَسْأَلُكُمْ أَنْ تُشَاطِرُوهُ تَمْرَ الْمَدِينَةِ، فَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْفَعُوا إِلَيْهِ عَامَكُمْ هَذَا حَتَّى تَنْظُرُوا فِي أَمْرِكُمْ بَعْدُ». قالوا: يا رسول الله، أوحيٌ من السماء فالتسليم لأمر الله، أو عن رأيك أو هواك، فرأينا تبع لهواك ورأيك؟ فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا؛ فوالله! لقد رأيتنا وإيَّاهم على سواء ما ينالون منا تمرة إلاَّ بشرى أو قرى.


ومن النصوص التي وردت في النصيحة وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ «التوبة: 71»، وقول الرسول -صلَّى اللهُ عليه وسلم-: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قلنا: لمَن يا رسول الله؟ قال: «للهِ وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ».

قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث: «وأمَّا النصيحةُ لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحقِّ، وطاعتهم فيه، وأمرهم به، ونهيهم عن مخالفته، وتذكيرهم برفق، وإعلامهم بما غفلوا عنه، ولم يبلغهم من حقوق المسلمين».

وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستلزم تمتُّعُهُمْ بحرِّيَّة الرأي؛ وحيث قد أمرهم الله بهذا الواجب، فهذا يعني مَنْحهم حقَّ إبداء رأيهم فيما يَرَوْنَه معروفًا أو منكرًا، وفيما يأمرون به وينهون عنه، وكذلك واجب المشاورة على ولي الأمر يستلزم تمتُّع مَنْ يُشَاورهم بحرية إبداء آرائهم.

أخبار ذات صلة

الطرق البطيئة
في العتاب.. حياةٌ
مهارة الإنصات المطلوبة على المستوى الدولي
مقوِّمات.. لاستقرار الشركات العائلية
;
ستيف هوكينغ.. مواقف وآراء
لا تخرج من الصندوق!
(قلبي تولع بالرياض)
سياحة بين الكتب
;
تمويل البلديات.. والأنشطة المحلية
الإدارة بالوضوح!
نحـــــاس
أدوار مجتمعية وتثقيفية رائدة لوزارة الداخلية
;
«صديقي دونالد ترامب»
قِيم الانتماء السعودية
جدة.. الطريق المُنتظر.. مكة!!
إسراف العمالة (المنزليَّة)!