اختلاف النفوس الرضيَّة.. ليس حالة مرَضيَّة

نُردِّدُ دَائِمًا عِبَارة الشَّاعِر «أحمد شوقي»، التي يُؤكِّد فِيهَا: أَنَّ اختِلَافَ الآرَاء لَا يُغيِّرُ الوِدَّ، حَيثُ يَقولُ في بَيتهِ الشِّعريِّ الذي لَا يَعرفُه الكَثير:

ألأنِّي أَنَا شِيعي ولَيْلَى أُمَويَّة؟


اختِلَاف الرَّأي لَا يُفْسِد للوِدِّ قَضيَّة!

إنَّنا بحَاجَة إلَى التَّعَايُش فِيمَا بَينَنَا مَع اختِلَاف آرَائِنَا، ونَقل هَذا المَفهوم مِن النَّظريَّة إلَى التَّطبيق، لأنَّك لَو سَألتَ أَيَّ شَخص، لقَالَ لَك إنَّه يَحتَرم مَن يَختلف مَعه.. هَذا عَلَى المُستوَى النَّظري، ولَكن عَلَى المُستوَى العَمليّ، هو لَا يَحتَرم مَن يَختَلف مَعه، فلَو رَكبت تَاكسي «تويتر»، وأَخذَتَ فِيهِ جَولةً لمُدَّة سَاعَة، لأَدْرَكتَ ذَلك..!


إنَّني -فِي كُلِّ كِتَابَاتِي- مُغرم بطَرح الأمثِلَة والشَّواهِد للتَّوضيح والتَّفسير، لذَلك دَعوني أَذكُر هَذه القصَّة، التي قَرأتُها فِي مُذكِّرَات الأَديبِ الكَبير «نجيب محفوظ»، حَيثُ يَقول -مُتحدِّثًا عَن اختِلَاف الكِبَار-: (كَان الشَّيخ «مصطفى عبدالرازق»، مِن أَنصَار حِزب الأحرَار الدّستوريّين، ويَعرف أنَّني وَفديٌّ صَميمٌ، ومَع ذَلك لَم تَتأثَّر عَلَاقتنا أَبدًا. كَان جِيلنَا يَتمتَّع بصِفةٍ جَميلةٍ، وهي التَّفرقَة بَين قَضَايَا الأَدَب والسِّيَاسَة، فنَحنُ مَثلاً كُنَّا نَختَلفُ مَع الدّكتور «محمد حسين هيكل»، والدّكتور «طه حسين» فِي السِّيَاسَة عَلى طُول الخَطِ، ومَع ذَلك نَحترمهما كأَديبيْن، ونَعتبرهمَا عَلى رَأس أَسَاتِذتنَا الذين نَتعلَّم مِنهم. وكَان هَذا الجِيل يُحافظ عَلى تِلك الصِّفة؛ بشَكلٍ يَدعو للإعجَاب. كَان «العقَّاد»، و»طه حسين» مُختلفيْن سِيَاسيًّا، وبَينهمَا خِلَافَات مُستَحكمة، ولَكن عِندَمَا تَعرَّض «طه حسين» لحَمْلَةٍ ضَاريَّةٍ، بَعد صدُور كِتَابه «فِي الشِّعر الجَاهلي»، وَقَف «العقَّاد» إلَى جَانبه، ودَافَع عَنه عَلى صَفحات الصُّحف، وتَحت قُبَّة البَرْلَمَان. كَمَا أنَّنا كُنَّا فِي صِدَام مَع الإنجليز، ونَتظَاهر ونَهتِف ضِدَّهم: «الاستقلَال التَّام أَو المَوت الزُّؤَام»، وفِي الوَقت نَفسه نَضَع الأَدب والفِكر الإنجلِيزي فَوق رُؤوسنَا، ونُقدِّره ونُتَابع بشَغفٍ مَا يَكتبه «هـ.ج.ويلز»، و»برنارد شو»، وغَيرهمَا. كُنَّا نُفرِّق بَين الوَجه الاستعمَاري القَبيح، والوَجه الحَضَاري المُشرق)..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: يَا قَوم، اعلَموا أنَّنا لَم نُخلق للاتِّفَاق، ولَا لنَادِي القَادسيَّة، بَل خُلقنا للاختلَاف والتَّنوُّع، وفِي ذَلك يَقول الله -عَزَّ وجَلّ-: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين)..!!

أخبار ذات صلة

الطرق البطيئة
في العتاب.. حياةٌ
مهارة الإنصات المطلوبة على المستوى الدولي
مقوِّمات.. لاستقرار الشركات العائلية
;
ستيف هوكينغ.. مواقف وآراء
لا تخرج من الصندوق!
(قلبي تولع بالرياض)
سياحة بين الكتب
;
تمويل البلديات.. والأنشطة المحلية
الإدارة بالوضوح!
نحـــــاس
أدوار مجتمعية وتثقيفية رائدة لوزارة الداخلية
;
«صديقي دونالد ترامب»
قِيم الانتماء السعودية
جدة.. الطريق المُنتظر.. مكة!!
إسراف العمالة (المنزليَّة)!