حراكٌ جديدٌ سيغزُو العالمَ

منذُ أنْ أعلنَ الرئيسُ الأمريكيُّ دونالد ترامب أمرَهُ التنفيذيَّ بمنعِ المهاجرِينَ والقادمِينَ من سبعِ دولٍ إسلاميَّةٍ، والمجتمعُ الأمريكيُّ بكلِّ أطيافهِ السياسيَّةِ، والأمنيَّةِ والإعلاميَّةِ والنخبويَّةِ والشعبيَّةِ، في حراكٍ ممتدٍّ من أقصَى شرقِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيَّةِ إلى غربِهَا.

الجماهيرُ عمَّتْ صيحاتُهم ولافتاتُهم الشوارعَ والميادِينَ. وساحاتُ المطاراتِ تحوَّلتْ إلى مظاهرَ دعمٍ للمسلمِينَ. والكنائسُ ترفعُ الأذانَ، والمساجدُ والمراكزُ الإسلاميَّةُ تحميهَا أجسادُ الرجالِ والنساءِ والشبابِ من الأمريكيِّينَ أنفسهم، وكلُّ وسائلِ الإعلامِ -عدَا قناة فوكس نيوز- تُحلِّلُ وتعرضُ وتُوضِّحُ خطورةَ أمرِ الرئيسِ وانعكاساتِه السلبيَّة المستقبليَّة. وكمَا هِي أمريكا كانَ للقضاءِ دورُه، فعطَّلتْ قاضيةٌ فيدراليَّةٌ في نيويورك أمرَ ترامب، وسمحتْ لمَن كانُوا محتجزِينَ في المطاراتِ الأمريكيَّةِ بالدخولِ إلى البلدِ؛ باعتبارِ أنَّهُ يتعارضُ معَ نصوصِ وروحِ الدستورِ الأمريكيِّ، كمَا أمرَ قاضٍ اتحاديٌّ في مدينةِ سياتل بتعطيلِ الأمرِ التنفيذيِّ، والسماحِ لكلِّ مَن يحملُ تأشيرةً أمريكيَّةً صحيحةً بالسفرِ والدخولِ إلى الأراضِي الأمريكيَّةِ من أيٍّ من منافذِهَا البريَّةِ والجويَّةِ والبحريَّةِ.


إدارةُ ترامب لمْ تستسلمْ، فرفعتْ وزارةُ العدلِ فيهَا طلبَ استئنافٍ ضدَّ حكمِ القاضِي الاتحاديِّ؛ بحجَّةِ تعريضِهِ حياةَ المواطنِينَ الأمريكيِّينَ للخطرِ.

كلُّ هذَا الحراكِ إنَّمَا هُو تعبيرٌ مجتمعيٌّ عامٌّ عن خوفٍ من انتهاكاتٍ تمسُّ القوانينَ، وتتجاوزُ الأنظمةَ، وتتعدَّى علَى الحقوقِ والحرَّياتِ العامَّةِ والخاصَّةِ، وحفاظًا علَى بقاءِ المسافاتِ متساويةً مَا بينَ السُلطاتِ الثلاثِ: التشريعيَّةِ والقضائيَّةِ والتنفيذيَّةِ التي وضعهَا الآباءُ المؤسِّسُونَ للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيَّةِ. وحراكٌ كهذَا سوفَ تكونُ لهُ تأثيراتُهُ الإيجابيَّةُ علَى مناطقَ كثيرةٍ من العالمِ، كمَا حدثَ إبَّانَ الستينيَّاتِ من القرنِ العشرين الماضِي، عندَمَا اجتاحتْ حركةُ الهيبيز المدنَ الأمريكيَّةَ الكُبرَى في مناهضةٍ لقيمِ الرأسماليَّةِ، وعمَّتِ العالمَ لتصبغَ بطابعِهَا السياسةَ والفنَّ والموسيقَى والموضةَ والسلوكَ البشريَّ بعامَّةٍ، وكمَا أثَّرتْ ثقافةُ «الهيب هوب» التي نشأتْ في عام١٩٧٠م كردِّ فعلٍ علَى معاناةِ ذوِي البشرةِ السوداءِ من ظلمٍ واضطهادٍ، فاجتاحتِ العالمَ وخاصَّةً بينَ الشبابِ في المظهرِ والملبسِ والموسيقَى والفنِّ لتُشكِّلَ ثقافةً عالميَّةً متَّحدةً.


الأمريكيُّونَ المعارضُونَ والغاضبُونَ من قرارِ ترامب، والذِينَ فرضُوا احترامَ العالمِ لهمْ، هُم يدافعُونَ ويحمُونَ أولاً حقوقَهم وحرياتِهم، لكنَّ حراكَهم هذَا يُرسلُ رسائلَ عدَّةٍ لكلِّ المجتمعاتِ من أنَّ القيمَ الإنسانيَّةَ لا تتجزَّأُ، كمَا أنَّها لا تُفصَّلُ علَى مقاساتِ فئةٍ دونَ أخْرَى، بلْ هِي مشتركٌ إنسانيٌّ عامٌّ لا يُفرِّقُ بينَ بنِي البشرِ، لا علَى ألوانِهم، أو لغاتِهم، أو أديانِهم، أو خلفياتِهم الثقافيَّةِ، بل علَى مدَى الالتزامِ بالقوانينِ من عدمِهِ، وهُو مَا سيُغيِّرُ من شكلِ العالمِ فِي العقودِ المقبلةِ.

أخبار ذات صلة

قراءة متأنية لرواية «رحلة الدم» لإبراهيم عيسى (3)
لماذا إسبانيا؟!
الموانئ والجاذبية في الاستثمار
احذروا ديوانيَّة الإفتاء!!
;
قصة عملية مياه بيضاء..!!
منتجات المناسبات الوطنية!
القيادة.. ودورها في تمكين المرأة للتنمية الوطنية
الرُهاب الفكري!
;
(1) رجب.. ووهم فجوة الأجيال
علماء ساهموا في بناء الحضارة الإنسانية
في ذكرى اليوم الوطني الرابع والتسعين
رسالة نافذة
;
صهــــرجة
النافذة المكسورة!!
التنمية.. والسياحة
مبادرة سعودية رائدة.. تُعزز القطاع غير الربحي