سؤال الكتابة يبعث على الكآبة!!

كُلُّ العَريقِينَ فِي الكِتَابَةِ، والخَاشعِينَ فِي مِحرَابِهَا، والمُطرِقِينَ فِي زَوَايَاهَا، تَأتيهم أَسئِلَةٌ مِن القُرَّاءِ والمُحبِّينَ، سَائلِينَ كُلَّ وَاحدٍ مِنهم سُؤالاً يَتردَّدُ، وهو: كَيفَ تَكتُبُ مَا تَكتُبُ؟!

مِثلُ هَذَا السُّؤَالِ، لَا يَبدُو مَنطقيًّا، ولَا سَليمًا، مِن حَيثُ الوَعي والفِكر، لأنَّ الكِتَابَةَ دَرجَاتٌ، وهُنَا المُبتدِئُ يَسأَلُ المُنتهِي، بمَعنَى أَنَّ طَالِبَ الكِتَابةِ والمُتدِّربَ عَليهَا، يَسألُ العَالِمَ بِهَا، الذِي أَفنَى عُمرَهُ فِيهَا..!


إنَّ مَنْ يَسأل الكَاتِبَ كَيفَ يَكتُبُ؟ هُو كمَن يَسألُ العصفُورَ كَيفَ يَطيرُ؟ أَو الطبَّاخَ كَيفَ يَطبخُ؟ أَو العدَّاءَ كَيفَ يَركضُ؟ لأنَّ هَذِهِ كُلَّها مَواهبُ، والمَوهبَةُ تَحتَاجُ إلَى الصُّقلِ والتَّدريبِ، والمُغَامرةِ والتَّجريبِ..!

أكثَرُ مِن ذَلكَ، يَعرفُ الجَميعُ أَنَّ الكِتَابَةَ عَملٌ تَراكميٌّ، تُزيدُه القِرَاءَةُ وتُصقلُهُ التَّجَارُبُ الشَّخصيَّةُ، ويُنمِّيه الحِسُّ الذَّكيُّ، والالتقَاطُ الوَاعِي..!


قَبلَ مِئةِ سَنَةٍ، سُئِلَ شَيخُنَا صَاحبُ اللُّغَةِ، الأَديبُ الكَبيرُ «مصطفى لطفي المنفلوطي»، «كَيفَ يَكتبُ»؟، فقَال: (يَسأَلُنِي كَثيرٌ مِن النَّاسِ: كَيفَ أكتُبُ رَسَائِلِي ومَقَالَاتِي؟، كَأنَّمَا يُريدُونَ أَنْ يَعرِفُوا الطُّرقَ التِي أَسلكُهَا إليهَا، فيَسلكُوهَا مَعي، وخَيرٌ لَهم ألاَّ يَفعلُوا، فإنِّي لَا أُحبُّ لَهُم ولَا لأَحدِ الشَّادِّين فِي الأَدَبِ، أَنْ يَكونُوا مُقيَّدِينَ فِي الكِتَابَةِ بطَريقتِي، أَو بطَريقةِ أَحَدٍ مِن الكُتَّابِ غَيرِي، وليَعلمُوا -إنْ كَانُوا يَعتقدُونَ لِي شَيئًا مِن الفَضْل؛ فِي هَذَا الأَمر- أَنِّي مَا استَطعتُ أَنْ أكتُبَ لَهُم بهَذَا الأسلُوبِ، إلاَّ لأنِّي استَطعتُ أَنْ أَنفَلِتَ مِن قيُودِ التَّمثُّلِ والاحتذَاءِ)..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقِي؟!

بَقِي القَولُ: إنَّ الكِتَابَةَ لَا تُستَنْسَخُ ولَا تُقلَّدُ، ومَن يَسأل الكُتَّابَ كَيفَ تَكتبُونَ؟ هو يُريدُ أَنْ يَصلَ إلَى الكِتَابةِ؛ عَبرَ الخَطِّ السَّريعِ، ومِن سُوءِ الحَظِّ أَنَّ الكِتَابَةَ لَا تَعتَرفُ بالطُّرقِ السَّريعَةِ، ولَا بالمَمرَّاتِ والأَزقَّةِ، ولَا بالشَّوَارعِ المُختَصَرَةِ!!

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح