لا إقرار ولا تسليم بحتمية التعليم

يُعوِّلُ النَّاسُ كَثيرًا عَلَى الشَّهَادَاتِ، ويَتسَابقُونَ عَليهَا، وأَصبَحنَا الآنَ نَرَى مَارَاثونًا قَويًّا؛ نَحوَ حِيَازةِ حَرفِ الدَّالِ، وقَد لَا نَضعُ اللَّومَ كُلَّهُ عَلَى المُجتَمعِ، بَلْ أَيضًا عَلَى المُؤسَّسَاتِ، التي حَوَّلت العِلْمَ إلَى شَهَادَاتٍ، يَتطَاولُ بِهَا النَّاسُ عَلَى بَعضِهم، كَمَا يَتطَاولُونَ فِي البِنَايَاتِ..!

إنَّ الرِّجَالَ الحَقيقيِّينَ؛ يَبحَثُونَ عَن العِلمِ فِي مَنَابعِهِ، ويَتعبُونَ عَلَى أَنفسِهم، ويَشتغلُونَ عَلَى ذَواتهم، بتَطويرِ أَدوَاتِهم المَعرفيَّةِ، ولَا يُقيِّدُونَ ذَلكَ بشَهادةٍ أَو دِرَاسَةٍ؛ لأنَّ وَسَائِل العِلْمِ وطَرَائقَهُ؛ مُتوفِّرةٌ وسَهلَةٌ لِمَن أَرَاد..!


لَم يَعرف القَرنُ العِشرُونَ أَديبًا مَوسوعيًّا فِي المَعرفةِ، مِثل شَيخنَا «محمود عبَّاس العقَّاد»، ومَع ذَلكَ كَانَ حَاصِلاً عَلَى الشَّهَادَةِ الابتدَائيَّةِ، وعِندَما عُرضتْ عَليهِ دَرجةُ الدّكتوراةِ، أَبَى، واستَنْكَرَ، وسَخِرَ. وقَد رَوَى قِصَّةَ ذَلكَ العَرْضِ، الأَديبُ الكَبيرُ «نجيب محفوظ» فِي مُذكِّراتِهِ، حَيثُ يَقولُ: (رُبَّما كَانَ لعَدمِ حصُولِ «العقَّاد» عَلَى شَهَادَةٍ جَامعيَّةٍ؛ دَورٌ فِي عَصبيَّتهِ الزَّائِدَةِ وعُنفِهِ، فـ»العقَّادُ» بَدَأ الكِتَابَةَ عَام 1906، ولَم تَكُنْ فِي مِصرَ جَامِعَاتٌ، فعَلَّمَ نَفسَهُ بنَفسِهِ. وحَكَى لِي الدُّكتور «عبدالحميد يونس»، أنَّ الجَامِعَةَ كَلَّفتهُ بالذّهَابِ إلَى «العقَّادِ»، ليَعرضَ عَليه «الدّكتوراةَ الفَخريَّةَ» تَكريمًا لَهُ، والدكتور «يونس» مِن أَصدِقَاءِ «العقَّاد»، ومِن المُتردِّدِينَ عَليهِ. وقَد ثَارَ «العقَّادُ» وهَاجَ، وسَبَّ الجَامِعَةَ، ورَدَّ عَلَى الدكتور «يونس» فِي سُخريةٍ: «مَن الذِي سيُسلِّمُنِي الشَّهَادَةَ»؟)..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!


بَقي القَولُ: أيُّهَا النَّاسُ، إنَّ أَبوَابَ المَعرِفَةِ -مِثلُ الهَوَاءِ والمَاءِ- مُتَاحَةٌ للجَميعِ، ولَكنَّ الإنسَانَ بطَبعِهِ كَسُولٌ، ويَبحَثُ عَن الأَعذَارِ. آمُلُ أَنْ نَبحَثَ عَن المَعرفةِ، ولَيسَ عَن الشَّهَادَةِ؛ لأنَّ المَعرفةَ تَدومُ، أَمَّا الشَّهَادَاتُ والمَنَاصِبُ؛ فتَذهبُ مَع الرِّيحِ، باستثنَاءِ شَهَادةِ «أَن لَا إِلَهَ إلاَّ الله»، التي تَبقَى مَعَ الإنسَانِ فِي الدَّاريْنِ..!!

أخبار ذات صلة

سقط المتاع ما خفي أعظم!
قصتي مع البروفيسور النصَّاب..!!
التقاعد والمتقاعدون
لحم المعمل
;
الرد على مزاعم «إسلام بحيري» في برنامجه «إسلام حر» (3)
العلاقات السعودية اللبنانية.. أخوية إنسانية
القمة العربية والإسلامية.. والإبهار
السوق العقاري السعودي.. من التحديات إلى الفُرص
;
المرأة المسيطرة
البحث عن الشهرة.. وأشياء أخرى
أغرب قصة حب.. عرفها التاريخ!!
استخدامات لغة الجسد في تحقيقات الشرطة
;
أنسنة مراكز طب الأسنان!
على أعتاب التكامل الاقتصادي العربي المشترك
أنت!!
طبت حياً وميتاً.. أبا عصام