المثقف أيضاً.. يصطاد أحياناً في المياه العكرة

وأنا أتابعُ الصحافة العربيَّة، بعد اندلاع ما سُمِّي بأزمة الخليج الأخيرة، أكادُ لا أُصدِّقُ ما أقرأه من تخوينٍ وسهولةٍ في ردَّة الفعل، مع أن المشكلة كبيرة، وتحتاج إلى تبصُّر، على الأقل لإيجاد حلولٍ لمشكلة مسَّت العالم العربي، ولم تمس الخليج وحده. تأمُّل بسيط يُثبت ما أقوله. لا شيءَ مستحيل. هناك دائمًا حلٌّ سلميٌّ له جاذبيَّةٌ خاصَّةٌ. تعلّمنا الحروب البشريَّة في لحظاتها الأكثر قسوةً وإجرامًا، أنَّها امتحاناتٌ أيضًا لقياسِ القدرةِ البشريَّةِ على التفكيرِ للخروج من الأزماتِ. وعلى رغبتها في الحفاظ على بعض إنسانيَّتها التي أتلفتها المصالحُ والتمزُّقاتُ، وكثيرًا ما تكون الحكمةُ سيَّدةَ الموقفِ في بعض الحروب التي تجعل الإخوة في معترك التضاد. ويصبح الحفاظ على صلةِ الرَّحم من أهم الأولويَّات، شرط أن يكون الاستماعُ إلى الآخرِ من الشرطيَّات المسبقة، وتصحيح المسارات باتِّجاه ما يرأبُ الصدعَ بالخصوصِ في هذه الأيام، حيثُ يتداخل كلُّ شيء. يسقط بعض الأصدقاء في حالات اصطفاف معلن، مسبوقة بهستيريا يصفُّون من خلالها حساباتٍ قديمةً. مع أنَّ الثقافة مساحة واسعة نحتاج لها بقوة في الظرفيَّات القلقة. وأنَّ لا تربط الأشياء بشكلٍ قسريٍّ.

العلاقات الجزائريَّة المغربيَّة شبه منقطعة، منذ عشرات السنين، متوقفة اقتصاديًّا، مشتعلة إعلاميًّا، والشتائم تكثر من هنا وهناك. الثقافة هي التي حافظت على شعرة معاوية. نذهب إلى المغرب بحبٍّ، ونتلقى الاهتمام الذي يليق بنا في المغرب. ونستقبل زملاءنا المثقَّفين والكتَّاب والجامعيين المغاربة بحبٍّ كبيرٍ، متخطين الأزمات السياسيَّة، ونتحدَّث عمَّا يشغلنا كمثقَّفين، وما هي الحلول الممكنة لتخطِّي المعضلات القويَّة. هذه المشكلات ستنتهي إن عاجلاً أو آجلاً، لكنَّها ليست خالدة، ولا تبقى في المدارات إلاَّ المقترحات البنَّاءة والحيَّة. يجب أن نؤمن أن البلاد العربيَّة مريضة، وجسدها مُفكَّك، ليست اليوم في حاجة إلى مَن يوسِّع مأساتها، ويزيدها مرضًا على مرضٍ. في حاجة إلى مَن يرمِّم الكسورات. المبادرة المغربيَّة يجب أن تثمّن بقوَّة؛ لأنَّها تصبُّ في مجرى المصالحة. وتُحترم أيضًا، لأنَّها سياسيَّة، واعتمدت على الوسائل السياسيَّة. حتَّى في حالة فشلها، يكون العرب قد حاولوا وقاموا بما كان يُفترض أن تقوم به الجامعة الميتة، التي تعيش منذ سنوات طويلة في غرفة الإنعاش.


عندما تنشب مشكلة بين الأخوة، ليسوا في حاجة إلاَّ لمن يرأب الصدعَ مهما كانت أفكارنا تجاه هذا أو ذاك. هذا واجب وحذر ضروري. الكلام الذي يشعل النار في النهاية، يهتك كلَّ إمكانية للسيطرة على حالة يجب أن تتوقف أولاً. مخاطر التفتت القادم في الأفق القريب، تتجاوز إرادة المتصارعين. الوضع العربي اليوم وجودي وخطير، الممثل الوحيد المرتاح هو إسرائيل التي لم تعدْ في حاجة لتبرير جرائمها ضد الشعب الفلسطيني. لهذا أقول: إنَّ التفكير المصلحي الصغير آيل إلى الزوال، ولن تبقى إلاَّ الحقيقة المفردة التي تلمع من وراء الغبار. لهذا، على بعض المثقَّفين، أو ما يُسمُّون كذلك، أن يحذروا جدًّا ممَّا يقولونه، فمسؤوليَّاتهم كبيرة أمام التاريخ، وفي النهاية الجسد الممزَّق هو جسدنا.

حذر المثقف الملتزم نحو ما يحدث اليوم، أو حتى قبل سنوات، أكثر بكثير من النفعيَّة ذات الزمن المحدود. على المثقف أن يذهبَ نحو الأسئلة الكُبرَى الخاصَّة بالمصير العربيِّ الذي يتمُّ التخطيط له خارج أراضينا، وأن لا يصطاد في المياه العكرة.

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح