هل بقيت للفنون وظيفة في المجتمع العربي؟!
تاريخ النشر: 29 يونيو 2017 01:09 KSA
المعركة الديمقراطية العربية مُعقَّدة. أمامها سنوات طويلة خارج وَهْم سقوط رؤوس بعض الأنظمة، وتحتاج إلى تجديد فكري حقيقي ينتج من صلب الثورات نفسها، في وضع لا ينتج إلا ردود فعل سريعة، خارج التأمل والتفكير. لنا أن نطرح السؤال: ما الأسماء الكبيرة التي أنتجتها الثورات العربية وحملت لواءها فكريًا؟ ربما احتجنا إلى زمن آخر لرؤية هذا المنجز.
عندما نعود إلى الفترات التحررية، التي أنتجت نخبًا تحررية، نجد أن الوضع يختلف جذريًا. كانت الصراعات واضحة والمواقف أيضًا واضحة. أمام استعمار شرس، أو نازية قاتلة، أو حروب أهلية يتقاتل فيها طرفان واضحان أو أكثر بلا رحمة، مثل الحرب الأهلية الإسبانية أو اللبنانية. كانت الحركات ومؤدياتها ومطالبها واضحة. ما يحدث في بعض مناطق الوطن العربي اليوم مُعقَّد ولا يُشبه وضعًا سابقًا. الحروب الأهلية ليست فقط حروبًا أهلية بالمعنى التقليدي، ولكن في عمومها ضد كل ما هو واقف، بما في ذلك الدولة كنظام، والعمران والبشر، في غياب مُطلق للدولة وتبنِّي المجموعات الدينية المتطرفة لمشروع التغيير. نحن أمام أنظمة بائدة ودكتاتوريات وحركات تتخفَّى وراء الإسلام، لم تُغيِّر شيئًا من ممارساتها، لأول مرة تصل بشكلٍ كامل إلى السلطة، على ظهر الديمقراطية، وهو أمر مقبول ضمن اللعبة الديمقراطية العامة، ولكنه لا يعني الشيء الكثير. في ظل هذا الوضع كيف يكون موقف الكاتب الديمقراطي المتفتّح وغير المنغلق على إلدوغما. والفنان عمومًا، هل يُناصر ثورات لم يفهمها إلا قليلا؟ أم يقف ضدها لأن مآلاتها مغلقة ودواخلها مبهمة، وخطواتها غير واضحة. المشكلة الكبرى هي كيف يقف المثقف بمتانة من دون أن يخسر علاقته مع قناعاتك؟ أن تقبل بالفعل الديمقراطي، وأن تُناضل، معناه ببساطة أن تختار فكرة التغيير على أسس متينة وتاريخية. ثم هل يمكن الحديث عن ثورات تصنعها المصالح والتدخلات العالمية؟.
كيف يكون موقف المثقف العربي في وضع مُعقَّد كهذا. كل المواقف جزئية وغير دقيقة وتثير سلسلة من التساؤلات غير المحسومة. صحيح أننا لا يمكن أن ننتج ديمقراطية على المقاس. في كل ديمقراطية انحرافات كثيرة، لكن على المثقف أن يظل منتبهًا وحريصًا على ما هو مهم وأساسي خارج الوضعيات الشخصية. النص الروائي العربي مثلًا، مشروط بهذه المعضلات المُعقَّدة. ولا يُكتب خارجها، وفق نظرة واسعة تستطيع أن تستوعب كل هذه التناقضات وهذا القلق في الموقف. الرواية بالخصوص، عالم واسع وغير مُحدَّد. ليست الإيديولوجية ووجودها في النص مشكلة. لكن أكبر أمراض الإيديولوجية، هي الهيمنة على البنيات وقتل جماليات النص. الكثير من النصوص العالمية إلى اليوم ما تزال مستمرة في الذاكرة الجمعية الإنسانية. نحن بصدد الحاضر والأدب، وليس بصدد التاريخ والسياسة بالمعنى المباشر. التاريخ ليس كتلة منجزة ولكن ديمومة وتحولًا دائمين. الرواية في هذا السياق هي أيضًا جهاز سجالي. ولكن بأي تاريخ سيلتزم الروائي؟ وهو يعرف سلفًا أن التاريخ الرسمي يكتبه المنتصرون. المهم في كل هذا، تنخرط الكتابة في عصرها ومشكلات الشعب الكبرى بما فيها التفاصيل الصغيرة التي قد لا تُشكِّل للناس اهتمامات كبيرة. الإنسان الشعبي، أو اليائس، أو الثوري، أو الاستشهادي، أو حتى الانتحاري، هو في نهاية المطاف إنسان يجب أن ندخل إلى تفكيره في الأعماق ونكتب عنه. كل البشر محصلة زمن مُعقَّد، هُم نتاج مسار عام وليسوا ثمرة لحظة مختلة.
عندما نعود إلى الفترات التحررية، التي أنتجت نخبًا تحررية، نجد أن الوضع يختلف جذريًا. كانت الصراعات واضحة والمواقف أيضًا واضحة. أمام استعمار شرس، أو نازية قاتلة، أو حروب أهلية يتقاتل فيها طرفان واضحان أو أكثر بلا رحمة، مثل الحرب الأهلية الإسبانية أو اللبنانية. كانت الحركات ومؤدياتها ومطالبها واضحة. ما يحدث في بعض مناطق الوطن العربي اليوم مُعقَّد ولا يُشبه وضعًا سابقًا. الحروب الأهلية ليست فقط حروبًا أهلية بالمعنى التقليدي، ولكن في عمومها ضد كل ما هو واقف، بما في ذلك الدولة كنظام، والعمران والبشر، في غياب مُطلق للدولة وتبنِّي المجموعات الدينية المتطرفة لمشروع التغيير. نحن أمام أنظمة بائدة ودكتاتوريات وحركات تتخفَّى وراء الإسلام، لم تُغيِّر شيئًا من ممارساتها، لأول مرة تصل بشكلٍ كامل إلى السلطة، على ظهر الديمقراطية، وهو أمر مقبول ضمن اللعبة الديمقراطية العامة، ولكنه لا يعني الشيء الكثير. في ظل هذا الوضع كيف يكون موقف الكاتب الديمقراطي المتفتّح وغير المنغلق على إلدوغما. والفنان عمومًا، هل يُناصر ثورات لم يفهمها إلا قليلا؟ أم يقف ضدها لأن مآلاتها مغلقة ودواخلها مبهمة، وخطواتها غير واضحة. المشكلة الكبرى هي كيف يقف المثقف بمتانة من دون أن يخسر علاقته مع قناعاتك؟ أن تقبل بالفعل الديمقراطي، وأن تُناضل، معناه ببساطة أن تختار فكرة التغيير على أسس متينة وتاريخية. ثم هل يمكن الحديث عن ثورات تصنعها المصالح والتدخلات العالمية؟.
كيف يكون موقف المثقف العربي في وضع مُعقَّد كهذا. كل المواقف جزئية وغير دقيقة وتثير سلسلة من التساؤلات غير المحسومة. صحيح أننا لا يمكن أن ننتج ديمقراطية على المقاس. في كل ديمقراطية انحرافات كثيرة، لكن على المثقف أن يظل منتبهًا وحريصًا على ما هو مهم وأساسي خارج الوضعيات الشخصية. النص الروائي العربي مثلًا، مشروط بهذه المعضلات المُعقَّدة. ولا يُكتب خارجها، وفق نظرة واسعة تستطيع أن تستوعب كل هذه التناقضات وهذا القلق في الموقف. الرواية بالخصوص، عالم واسع وغير مُحدَّد. ليست الإيديولوجية ووجودها في النص مشكلة. لكن أكبر أمراض الإيديولوجية، هي الهيمنة على البنيات وقتل جماليات النص. الكثير من النصوص العالمية إلى اليوم ما تزال مستمرة في الذاكرة الجمعية الإنسانية. نحن بصدد الحاضر والأدب، وليس بصدد التاريخ والسياسة بالمعنى المباشر. التاريخ ليس كتلة منجزة ولكن ديمومة وتحولًا دائمين. الرواية في هذا السياق هي أيضًا جهاز سجالي. ولكن بأي تاريخ سيلتزم الروائي؟ وهو يعرف سلفًا أن التاريخ الرسمي يكتبه المنتصرون. المهم في كل هذا، تنخرط الكتابة في عصرها ومشكلات الشعب الكبرى بما فيها التفاصيل الصغيرة التي قد لا تُشكِّل للناس اهتمامات كبيرة. الإنسان الشعبي، أو اليائس، أو الثوري، أو الاستشهادي، أو حتى الانتحاري، هو في نهاية المطاف إنسان يجب أن ندخل إلى تفكيره في الأعماق ونكتب عنه. كل البشر محصلة زمن مُعقَّد، هُم نتاج مسار عام وليسوا ثمرة لحظة مختلة.