الدراسات العقدية والكراهية
تاريخ النشر: 29 يوليو 2017 01:12 KSA
أعلم أن ما يحتويه هذا المقال قد يثير عليَّ كثيرين، ممن تعودوا ألا يستمعوا للنقد بل ولا يرتضونه، لاعتقاد لهم بأن كل ما يقولونه هو الحق، وأن كل ما يقوله غيرهم باطل يصمُّون عنه الآذان، ونحن اليوم قد أدركنا أن كل فكر يقود إلى بث الكراهية والبغضاء بين المسلمين خطره عظيم على الأمة، فهو يؤدي حتماً في النهاية إلى قتال بينها لا يرتضيه العقل ولا الدين، وقد ابتلينا منذ زمن طويل، بمن بث فكراً لا يعترف إلا بأن العقيدة الصحيحة هي لفئة قليلة أسماها أهل السنة، وما عداها من مذاهب وطوائف فهم مبتدعة وهم صنفان: صنف لا تخرجه بدعته عن الإسلام ولكنه غير مرغوب فيه، ويجب أن تصحح له عقيدته، حتى ولو كان من أكابر علماء أهل السنة عند جميع الأمة كابن حجر العسقلاني والنووي رحمهما الله تعالى وإن كانت مؤلفاتهم مرجع من ينتقدهم، وتجد في كثير من الرسائل الجامعية في أقسام العقيدة في جامعاتنا ما يهولك من التبديع أو حتى التفسيق والتكفير لمجرد المخالفة كما يعتقده الطالب والمشرف عليه، وإذا فتَّشت فلم تر أحداً من علماء الأمة يسلم من هذا إلا القليل النادر، فكل الفرق والطوائف يهاجمون هجوماً عنيفاً يكاد عند البعض يبلغ إخراجهم من الملة، أما الألفاظ الجارحة فتُوجَّه من هؤلاء لجميع أهل القبلة من المسلمين فهي أمر يتكرر في المؤلفات العقدية القديمة والحديثة، وهذه المؤلفات منتشرة انتشاراً عجيباً بين الناس في بلادنا تطبع وتتداول على أن ما فيها حق، من لم يؤمن به منحرف عن منهج أهل السنة، وكلما زاد الهجوم على هؤلاء فيها كان صاحبه معتقداً العقيدة الصحيحة، وهذا فخر له يدل به بين أقرانه، ولو كان ذلك على حساب عالم جليل كعثمان بن سعيد بن عثمان بن منده، فقد حقق كتابه (الرسالة الوافية في الاعتقادات وأصول الديانات) اثنان من أساتذة العقيدة ،فاصطرعا على ذمِّه بالإدعاء أنه وافق الأشاعرة في هذه المسألة أو تلك، وقدح كل منهما في صاحبه لأجل هذا وردّ عليه، حتى أصبح الكتاب مليئاً بكلمات جارحة في حق مؤلفه وفي حق محققيه، وعندما قرأته شعرت بأننا نسير في الطريق الخطأ، فما نفعله إنما هو ذم في الحقيقة لمنهجنا السقيم في نقد مؤلفات العقيدة، والتهم التي توجه لكل فرق المسلمين وطوائفها يجب الكف عنها بعد اليوم، وألا ننتظر حتى يصبح أولادنا أعداء لبعضهم دون سبب معقول، فعلماء الأمة في كل مجالات العلم الشرعي كثير منهم لا يعجب نقادنا الذين لا يرون الصواب في المعتقد إلا لهم ولفئة قليلة على مر الأعصار، أما جمهور الأمة عندهم فهم بعيدون عن الحق، ويشتد الصراع بينهم وبين بقية الأمة، ومن يتجول اليوم على صفحات الانترنت ومواقعه، سيدرك كم فرطنا في معالجة هذا الأمر حتى لا يكون سبباً لصراع آخر يستخدم فيه العنف، فقد سبق وأن مر بأمتنا مثل هذا في سنوات عجاف، غاب فيها العقل عن المتصارعين، فعلينا أن ندرك أن صب الناس في قالب واحد وعلى رأي واحد واجتهاد واحد مستحيل، وأن الاختلاف سنة كونية فربنا عز وجل يقول: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)، وبذل الجهد فيما لا طائل تحته لون من نقص العقل، فهلا تداركنا الأمر، وسعينا إلى ألفة بين المسلمين، لا يُبَدَّع منهم أحد ولا يُفَسَّق ولا يُكَفَّر إلا في المحاكم وببينة واضحة، أما في ساحات العلم فما دخلها ذلك إلا وساءت أحوالها وقاد ذلك إلى فتن عظيمة، فاللهم ادرأ عن أمتنا كل فتنة تؤدي إلى هلاكها، وفقنا الله لما يحبه ورضاه.