الطابور الخامس ووسائل صناعته

في الحروب- سواء أكانت عسكرية أم حروبًا دعائية- يُستَهْدَف إضعاف قوى دولة ما معنويًا، لا يمكنها أن تنجح وتُؤثِّر في قوى الدولة الأخرى، التي تُواجهها بهذه الحرب؛ إلا إذا استخدمت أدواتها، والتي هي في الأساس دعائية، تستخدم فيها بصفة أساسية الإعلام بأدواته المتعددة اليوم، كالصحف والإذاعات والقنوات الفضائية، بل والفنون المختلفة، وهذا ظاهر اليوم في الحروب الدعائية كهذه الحرب، التي تشنها علينا- منذ عشرين سنة- قطر الدولة، بكل ما امتلكت من الوسائل التي تُستخدم في مثل هذه الحروب، كالصحافة والقنوات الفضائية والإذاعية، وألوان أخرى من الدعايات القذرة، كفبركة أفلام أو برامج وثائقية، تدّعي فيها ما شاء لها الخيال المريض، من خلافات موهومة في الداخل بين قوى المجتمع أو بين المسؤولين بعضهم البعض، أو صناعة مواقف عبر صحف أجنبية أو جمعيات موهومة لحقوق الإنسان، مما جرَّبت قطر الحكومة عبر أكثر من عقدين من الزمان، ظنًا منها أن كل هذا مما يمكن أن يُضعف دولتنا، أو يُفرِّق بينها وبين شعبها، أو حتى يُنشئ مواقف داخلية مؤذية لما تقوم به من ألوان الحرب الدعائية القذرة، ولم تنجح أبدًا إلا عبر جماعات متأسلمة، في حقيقتها ما نشأت إلا كأدوات في الأصل استعمارية، للتأثير على بعض دولنا العربية والإسلامية، كجماعة الإخوان، التي كانت منذ نشأتها تُموَّل من أكبر الدول الاستعمارية وقت نشوئها، وورثت قطر تلك الدولة، وأصبحت في هذا العصر هي المموِّل الرئيس لهذه الجماعة، التي تدّعي زورًا أنها المُتحدِّثة باسم الإسلام، ومنهجها يعتمد على نظرية «الحاكمية»، التي لا تختلف في شيء أبدًا عن نظرية الخوارج عند أول ظهور لهم، والمؤدية إلى تكفير سائر المسلمين، والاعتقاد أنهم عادوا إلى الجاهلية، والتي بدأت في القارة الهندية على يد أبو الأعلى المودودي، ثم نافح عنها سيد قطب عبر كِتَابيه «معالم في الطريق»، و»في الظلال»، ثم أصبحت منهجًا إخوانيًا يؤمن به كل إخواني ينضم إلى الجماعة، فالمنهج التكفيري تشترك فيه كل الجماعات المتأسلمة في هذا العصر، التي تجددت فيه الحروب على هذا الدين حتى من داخل مجتمعات المسلمين، والغريب أن هذه الجماعة- المُسمَّاة جماعة الإخوان المسلمين- تعددت مسميات المنتسبين إليها بعد نشوئها تعددًا غريبًا، بحيث استطاعت أن تُعدد الجبهات في حروبها، التي تشنها على مجتمعات المسلمين، وفي سائر أقطارهم، وهذه الجماعات التي خرجت من تحت عباءتها- خاصة في مصر- هي اليوم الذراع الرئيس في حرب قطر القذرة، التي تُشَن على المملكة والدول العربية المتحالفة معها ضد إرهاب دولة قطر ومؤامراتها، وما كُنَّا نظنُّ أن ينشأ في بلادنا طابورًا خامسًا مؤيدًا لمن يُوجه العداء لوطننا، إلا أن الأيديولوجيا الفاسدة للإخوان أنشأته، وأصبحنا نعرف له رموزًا، لمَّا وُجِهُوا، هربوا إلى ملاذات قطر الآمنة لأمثالهم، حتى مَن كان منهم ينعم عليه الوطن بنعمٍ كثيرة لم يكن يستحقها، هو اليوم يشنُّ عليه الحملات من خارجه، بعد أن ارتحل إلى بلدٍ آخر يظنه ملاذًا آمنًا له، ولن يطول به الأمر إلا وقد عاد مضطرًا، وحُوسب على خيانته لوطنه، ويومها نرجو ألا يتهاون الوطن مع أمثاله أبدًا، حتى لا تتكرر هذه الظاهرة العفنة أبدًا.

إن النقد ليس ما يُمارسه هؤلاء، النقد لأخطاء تقع لا يحمل صاحبه لوطنه حقدًا في صدره، ولا يتمنى له الشر أبدًا، بل يحرص عليه وعلى سلامته، والأوطان لا تُبنَى بأيدي الخيانة، وإنما تُبنَى بأيدي المخلصين، وهم بحمد الله أكثر أبناء الوطن، ولا يُمثِّلون هؤلاء بينهم إلا النفر القليل، الذين يعرفهم أبناء الوطن بسيماهم، وسينتهي أمرهم إلى مزبلة التاريخ، أما عامة أبناء هذه البلاد، فهم الحريصون على وطنهم، المخلصون للعمل له، ولن يُضار الوطن بطابور؛ ما أن يظهر حتى يختفي، لأنه لا يقوى على المواجهة أبدًا، ذاك ما نرجوه، والله ولي التوفيق.

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح