قيادة المرأة للسيارة: فرصة لمقاربة جديدة للموضوع

نعرف جميعا أن الانفتاح يعني التغيير. ونعرف أن المجتمع السعودي ينفتح على العالم بسرعةٍ وقوة وشمول.. هذا يعني أن المجتمع السعودي يتغير وسيتغير.. وبسبب الخصوصية الشديدة التي أحاطت بكل ما له علاقة بالمرأة في الفترة السابقة، فسيكون أول ما يطاله التغيير تلك الأعرافُ والتقاليد والعادات ذات العلاقة بالمرأة وحركتها داخل مجتمع المملكة. نعرف أيضا أن مجرد الحديث في هذا الأمر يثير الحساسيات عند البعض، لكن فتح الملف والحوار فيه ضروري، لأن تجاهل الموضوع أو إنكاره لن يؤدي لاختفاء الظاهرة؛ لأن التطور الطبيعي للواقع الاجتماعي سيفرض الظاهرة على المجتمع كافة.. وها هي تطورات ذلك الواقع تصل بنا لنقلة في هذا المجال، تتمثل في القرار المتعلق بقيادة المرأة للسيارة في السعودية.

لا يجدي ولا يفيد، في هذا الإطار، تحليل الموضوع أو التعامل معه باختزالٍ وتبسيط. سواء تعلق الأمر بأسباب صدور القرار أو ردود الأفعال عليه أو نتائجه ومستتبعاته القادمة.


من هنا، تبدو الحاجة لمقاربةٍ أكثر شموليةً في تناول الموضوع، انسجاما مع قاعدةٍ أساسية في العلوم الاجتماعية ترفض محاولة فهم الظواهر من خلال عاملٍ واحد.

فمن ناحية، يبدو من التعسف تفسير القرار عبر ربطه بحسابات سياسية بحتة لدى صاحب القرار.. ما من شكٍ أن هذه الحسابات موجودة في إطار الحراك السياسي الواسع في المملكة في هذه الفترة، وتلك طبيعة العمل السياسي في كل أنحاء العالم، لكن حصر الموضوع في هذا العامل يغفل جملة من العناصر الأخرى المتعلقة بالموضوع ساهمت في وصوله إلى هذه النقطة.


يتمثل أهم العناصر المذكورة في التطور الثقافي والاجتماعي والتعليمي الكثيف الذي شهدته المملكة على مر عقدين على الأقل، تزامنا مع ثورة المعلومات والاتصالات العالمية. وبحكم كثافة تفاعل المجتمع السعودي مع تلك الثورة وأساليبها ومواضيعها، ثمة دراساتٌ بأن المجتمع السعودي هو من أكثر المجتمعات تأثرا بالتغييرات الكبرى الناتجة عن تلك الثورة المعلوماتية.

من هنا، فإن القرار السياسي مرتبطٌ بالتأكيد بتلك التغييرات، وهو يحاول احتوائها في إطار قانوني مُنظّم، بعيدا عن الفوضى التي قد تنتج من تجاهلها لأسباب أيديولوجية.. ولا نجاوز الصواب إذا قلنا إن صدور القانون، في هذه المرحلة، لم يكن ممكنا في غياب التغييرات المذكورة.

وحتى بالنسبة للقوى التقليدية التي تتحفظ على القرار لأسباب عدة، تؤمن بصوابيتها. ينسى هؤلاء قاعدة أخرى أساسية في هذا الإطار تتعلق بصُلب رؤيتهم لهذا الموضوع، فمن طبيعة الأمور في هذه الحياة وجود من يخرج على أي مقاييس سائدة في أي مجتمع بدرجةٍ أو بأخرى، من مجتمع الصحابة إلى مجتمع المملكة إلى أي مجتمع آخر. لهذا، يمكن التأكيد بأن المبالغة في خلق وتأكيد هالة الالتزام، بالشكل الذي يصرُّ عليه البعض في المجتمع، يناقض سنن الاجتماع البشري أولا، فضلا عن أنه سيكون سببا لتناقض داخلي لا يريده أحدٌ في المجتمع.

ففي قلب مجتمع الصحابة الذي تربى على يد خاتم الرسل كان يوجد (الظالم لنفسه) و(المقتصد) و(السابق بالخيرات). هذا ما يؤكدهُ القرآن الكريم دون لبسٍ أو غموض، يعلمُ هذا نظريا كل من يدعو للالتزام بالدين والحفاظ على الأخلاق العامة في المجتمع السعودي، لكن شريحةً معينة تغفل عن تلك الحقيقة، بقصدٍ أو عن غير قصد. لأن لسان حال هؤلاء ولسان مقالهم يوحي بأنهم يعتقدون أنه لا يجب ولا يمكن أن يكون في المجتمع السعودي (ظالمٌ لنفسه) و(مقتصدٌ)، وإنما على كل فرد منهم أن يكون (سابقا بالخيرات). هذا إذا افترضنا جدلاً أن مخالفة المقاييس الموضوعة في المسائل الخلافية تؤدي لمثل هذا الفرز، وهو ما لا نعتقد به شخصياً.

ما يعنيه هذا ببساطة أن درجة التقيّد بتلك المقاييس الصارمة التي وضعها البعض (للالتزام) ستتغير تدريجيا، بشكل متزايد وملحوظ. فهناك شرائح تزداد اتساعا في المجتمع بدأت ترفض إلزامها بتلك المقاييس (ذات الخصوصية)، وهي تريد التعبير عن التزامها بالشرع، ولكن في إطار الفُسحة الواسعة التي توفرها دوائر الاجتهاد والاختلاف في الرأي والأقوال عندما يتعلق الأمر بالفروع والجزئيات والمتغيرات.. وقيادة المرأة تدخل في هذه الخانات، دون جدال.

أكثر من ذلك، يجب أن يهيئ البعض، بل والمجتمع بأكمله، نفسه لاختيارات جديدة كليا يقوم بها البعض من أبناء المملكة قد لا تدخل في إطار (الالتزام) بأي شكلٍ من الأشكال.. ورغم أن مجرد التفكير بمثل تلك الاحتمالات سيُصيب البعض بالهلع، إلا أن الأمر لا يعدو كونه انتقالا من الإصرار على وجود (هالة الالتزام) المُصطنعة إلى الحالة الطبيعية التي عاشت وتعيش عليها جميع المجتمعات.

سيكون مطلوبا بالتأكيد وجود حراك ثقافي واجتماعي متجدد ومبتكر ومنفتح للتعامل مع هذه الظواهر، ويجب أن يكون الحراك السياسي والقانوني والإداري الموازي مرنا وقادرا على احتوائها، لكن وجود تلك الظواهر لن يعني بالضرورة أن هوية مجتمع المملكة ستضيع، وأن نسيجها الاجتماعي سيتفسَّخ، كما يهوّل بعض مذعورين لا يعيشون في عالم الواقع.

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح