مي زيادة وسيمفونية كارمن سيلفا؟

كانت مي متعددة المواهب. باستثناء موهبة الكتابة المعروفة، فقد كانت رسامة، كلما انتابها حزن، أو غضب، أو سوداوية، ذهبت مباشرة نحو الألوان. الألوان تخفف ظلمة الروح. وقد تذهب أيضاً، في حالات القلق القصوى بسبب كآبتها المزمنة، نحو الموسيقى. كان لديها بيانو ظل يصاحبها في حياتها القصيرة نسبياً، كانت تعزف عليه الكثير من كلاسيكيات الموسيقى الغربية التي كانت متعلقة بها. تعلمت مي العزف على البيانو في مختلف الأديرة التي وضعها فيها والداها، والتي كانت تحتوي في أغلبها على بيانو وتنشد على إيقاعه البنات الصغيرات أو شابات الأديرة الأناشيد المقدسة. كانت مي تحب عزف سيمفونية كارمن سيلفا الحزينة التي ألفها يوسف ايفانوفيتشي (1845-1902) في سنة 1892. ارتبطت مي بشخصية كارمن سيلفا (إليزابيث باولين أوتيللي لويز دو ويلد، ملكة رومانيا) كثيراً، وكتبت عنها في الكثير من المرات، في تعاطف ظاهر. تقول في مقالة لها تحت عنوان كارمن سيلفا، وُجِدت ضمن مقالاتها المفقودة ونُشرت لاحقاً خارج أعمالها الكاملة: إنها من الشخصيات النادرة في العالم، ترتفع بقيمتها المعنوية فوق كل علاقة زمنية.الوطن بحدوده ضيق على هذه الشخصية، فوطنها الحقيقي هو العالم والإنسانية. وتقول في مكان آخر عنها أيضاً: رماها الناس بالتُّهم الفظيعة، ثم بقصور العقل والجنون، ذلك لأن نفسها الكبيرة بريئة صادقة، تحوم فوق الكثير من الإصلاحات البلهاء والأكذوبات الاتفاقية الخبيثة. ولما كانت الجمعية تكشر عن أنيابها، محاولة نهش تلك النفس النقية، كانت كارمن سيلفا تقصد صديقتها الجميلة (هلينا)، وتجلس الساعات الطوال بقرب ضريح ابنتها الوحيدة المائتة (ماريا)، وتتكىء على مرمرة باكية كمن يلتجئ إلى صدر حنون... هذه هي الأميرة الألمانية التي ظلمها قومها. ابنة الغرب وملكة في الشرق. أم لفتاة مائتة، وأم لكل من أحسنت إليهم، فأساءوا إليها وتقول في نهاية مقالتها: هي إحدى النساء الثلاث اللواتي أُكبرُ أسماءهن، وأضعُ عند أقدامهن إعجابي وإعظامي،وهنّ: هيباثيا، ومدام ماري كوري، وكارمن سيلفا، لأنهن حققن وجود المثل الأعلى في النساء. المثل الأعلى الذي رسمه قاسم أمين.نعرف الآن بسهولة لماذا أحبت مي سيمفونيا كارمن سيلفا التي فضلت الكتابة والترجمة، وعشق الحياة على السلطة والحكم. واتُهمت في النهاية بالجنون لكنها ظلت تصدح بالشعر على حافة البحر حيث بيتها الجديد. كانت تريد أن تتحول إلى منارة للسفن المسافرة والقادمة بقول شعرها في المكبرات الصوتية. نعرف لماذا كانت تتحد،بمساعدة صديقتها الروحانية هلينا، مع روح ابنتها ماري التي كان عمرها أربع سنوات عندما توفيت.، إذ سافرت معها تاركة المُلك كله، وعندما عادت وجدت من نمّى في غيابها فكرة الجنون، والمثلية ، وغيرها. لم تكن تعني الوجاهة أي شيء بالنسبة لكارمن سيلفا. كانت مي تشتهي عزف كارمن سيلفا في خلوتها الحزينة وعزلتها القاسية، وعزف باخ أيضا الذي كانت كارمن سيلفا تحبه وتقدسه أيضاً. كل هذا وجد في أعماق مي صدى كبيراً لأنه يشبهها بشكل كبير إذ لا يمكن تفادي المقارنة. بل تماهت فيه لدرجة عميقة. ألم تكن مي امرأة استثنائية؟ ألم تمنح حياتها كلها للأدب ولم تلتفت لأملاك والدها إلا عندما دفنها أقاربها وأبناء عمومتها في العصفورية بسبب الميراث؟ ألم تُتهم بالجنون أيضاً؟ ألم تفقد أخاً لها في وقت مبكر مما جعل داخلها فراغاً من الأخ الحامي، ظلت تبحث عنه بما في ذلك في العلاقة مع جبران، لكنها لم تتمكن. ألم تكن مي كاتبة ومترجمة اختارت اسما مستعاراً للتأليف:إيزيس كوبيا. الأقدار تصنع أحياناً في سرها، ما لا نعرفه، لكننا نحسه ونكتب عنه، وكأنه يخصنا؟.

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح