احتكار الملاعب والكرة!

قفزة كبيرة قفزتها المرأة السعودية في المجال الرياضي، الذي أخذ جدلاً كبيراً حول ممارسة المرأة للرياضة، ربما لذلك تابع العالم بشغف حضور العائلات لأول مرة، مباراة كرة قدم في السعودية، تحضرها النساء؛ بعد أن ظلت مقصاة تماماً عن المجال الرياضي، عدا مشاركات في بعض الرياضات الفردية نتيجة اهتمام الأسرة بتنمية مهارات بناتها كالفروسية والعَدْو والجودو.

ربما إقصاء المرأة عن كل الألعاب أقصاها عن الاهتمام بما هو نائي وبعيد المنال، ظلت المرأة السعودية مقصاة تماماً عن المجال الرياضي، لذلك اعتادت معظم السعوديات على عدم السماح لكثير من الألعاب الرياضية الدخول من بوابة أحلامهن، أغلقن في وجهها كل ما من شأنه تحريض الرغبة لكل شيء محتكر للذكورة، حتى الطفلة الصغيرة إذا أمسكت بالكرة التي يلهو بها أخوها تعنَّف، لأن الكرة شأن محض ذكوري، لكن الزمن اختلف وأصبحت الاهتمامات مشتركة بين الإناث والذكور، لأن العالم كله تمارس فيه الأنثى مختلف الأنشطة الرياضية وتشارك في المنافسات العالمية.


تحريم الرياضة على النساء حتى في الأندية الرياضية المغلقة وفي المدارس تركز في الأزياء الرياضية للنساء، وأصبح مجالاً خصباً لبعض دعاة وداعيات الصحوة المشؤومة للفتوى بالتحريم وإظهارها على أنها مدعاة للرذيلة حتى بين النساء بعضهن بعضاً، ثم اتخذ منحى تخويفياً وتهديدياً بغضب الله، والتعرض للفتن والزلازل والمحن، أما إذا دخلت النساء الملعب للاستمتاع بالأجواء الحماسية ومشاهدة المباريات مع أزواجهن وأبنائهن وإخوانهن فتلك الكارثة التي تخر لها الجبال هدَّا.

انتظرنا يوم الجمعة الماضي بترقب لما يحدثه دخول النساء إلى ملعب الجوهرة، والبحث عن أي خطأ ترتكبه النساء داخل الملعب، تحولنا إلى عيون كبيرة ترقب كل حركة للنساء كي نحاكم التجربة برمتها، وأزعم أن أغلبية عشاق الكرة ممن لم يتواجد داخل ملعب الجوهرة ذلك اليوم كان يرقب أي حدث يبصم أول تجربة لحضور النساء في الملعب.


حتى أنا كنت مهتمة بنجاح تجربة هذا الحضور العائلي الأنيق، لم أكن مهتمة بالمباراة بحد ذاتها مع أني أمارس الرياضة كنشاط بدني، إلا أن الألعاب الرياضية ككرة القدم والسلة والطائرة وغيرها لم تكن ضمن اهتماماتي يوماً، مع أن بعض السعوديات يحضرن مباريات خارج الوطن يستمتعن باللعب مباشرة دون أن يلحظ أحد وجودهن أو يشعر بأنهن محرومات في وطنهن من هذا الحق، بينما يتمتع الرجل بحق حضور أي مباراة وفي أي وقت، وهي ممارسة ساهمت في تفكك الأسرة، وتباين الاهتمامات بين الرجل والمرأة، فانشغل الرجل منذ طفولته بالكرة والمباريات ووجد له موضوعاً دائماً للنقاش والحوار مع أترابه أو داخل الأسرة مع أبيه وأخيه وذكور الأسرة بينما أصبح للمرأة موضوعات أخرى لاعلاقة لها بأي نشاط فكرى أو بدني بل تركز اهتمامها حول الأمور الاستهلاكية ومشاكل العمالة المنزلية ووصفات الأطعمة والحلويات ومطالبة بأن تكون رشيقة مثل النجمات.

يوم الجمعة 12 يناير 2018م، يمثل يوماً تاريخياً ليس للمرأة فقط، بل للوطن، والمجتمع السعودي، الذي أثبت أنه مجتمع طبيعي، وأن بإمكانه التعايش والتفاعل والمشاركة في الأماكن التي احتكرت حضورها منذ نشأتها للذكورة، فلم تسمح للنساء بارتيادها ولا حتى مجرد التفكير في دخولها، ربما يمثل استاد الجوهرة في مدينة الملك عبدالله الرياضية استثناء، مهَّد لحضور النساء بإقامة العديد من الفعاليات نظمتها بعض الجامعات الأهلية، أو بعض الفعاليات المشتركة لأهداف خيرية أو تسويقية، لكن دخول العائلات لحضور مباراة كرة قدم بين فريقين رياضيين كما حدث الجمعة الماضي بين فريقي الأهلي والباطن، يعتبر الأول والأشهر، والأجمل، لأنه أعطى للمرأة حقاً آخر من الحقوق المسلوبة، ولأنه أثبت أن حضور المرأة في أي فعالية لن يمس فضيلة المجتمع بل يعززها، ويعزز إحساس المسؤولية لدى كل الحضور رجالاً ونساء، صغاراً وكباراً.

أيضا تحقق نجاح مماثل لحضور العائلات في مباراة الاتحاد والهلال، السبت 13 يناير 2018م، على استاد الملك فهد بالرياض، وأتصور أن نفس الصورة الجميلة للحضور العائلي، والوجوه المشرقة بالفرحة سنتابعها في مباراة الاتفاق والفيصلي، الخميس 18 يناير 2018م في الدمام، في انتظار تعميم التجربة، وإنشاء أندية اجتماعية تجمع شمل الأسرة في كل الأوقات فلم تعد الكرة حكراً للولد بل للبنت الحق في اللعب بالكرة وممارسة كافة الألعاب الرياضية بما يتوافق مع الدين وقيم المجتمع.

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح