زراعة القسوة في قلوب طلاب العلم
تاريخ النشر: 12 أبريل 2018 01:25 KSA
مرت ببلادنا فترة حرجة غيَّرت كثيراً من مفاهيمنا الإسلامية السوية، حينما زُرع في قلوب وعقول طلاب العلم الشرعي أن كافة المسلمين، سواء من كانوا في هذا الوطن أو في أوطان المسلمين الأخرى، هم مسلمون ضلوا الطريق إلى الإسلام الصحيح، خاصة في مجال العقيدة، ووجب على مَن عرفوا حقيقة الإسلام الصحيح زعماً، أن يقوموا بمهمة تصحيح عقائد المسلمين كافة، من كان منهم يعيش على أرض الوطن أو خارجه، ولو كان ذلك عن طريق اتهامهم بشتى التهم ببدعة وشرك بل وأحياناً كفر، مما أدى وللأسف إلى شيوع كراهية شديدة بين المنتمين إلى هذا الدين الحنيف، فظهرت دعاوى التهوين من الانتماء إلى المذاهب الأربعة، ثم ظهر كردة فعل لدى المنتمين إليها الموقف الصلب في الدفاع عنها. أما في العقيدة فتعرَّض جل المسلمين من أتباع الفرق والمذاهب المختلفة إلى نسبة الضلال إليهم، بل وبُعثت كل المذاهب التي اندثرت أو كادت، وتكاثرت كتب الردود على سائر الفرق والمذاهب، سواء ما كان منها ما يزال متَّبعاً وله أتباع يدافعون عنه، أم اندثر ولم يعد له أحد -لا أقول يدافع عنه- بل يذكره، واشتغل طلاب العلم الشرعي بالردود على كل ما اعتبره ضلالاً مَن رسّخ في العقول هذا النهج غير السديد المفرّق بين المسلمين، الناشر للعداوة والبغضاء بينهم، حتى أصبحنا نجد على رفوف المكتبات عناوين اصطُنعت بكثير من السجع لكتب الردود بين أصحاب الفرق والمذاهب، يتنفس مؤلفوها الكراهية والبغضاء لبعضهم، وإذا ظهر بين طلاب العلم من نهج منهج الاعتدال، ونادى بترك هذا المنهج الذي لم تحصد منه البلاد والعباد سوى الكثير من التجاذب حول قضايا ميتة لا نفع منها لمجتمعنا ولا للأمة المسلمة في سائر أقطارها، رأينا التهجم عليه بابتذالٍ قد يبلغ أحياناً حدَّ تبديعه أو تفسيقه أو تكفيره. وكم صبر المعتدلون على أذىً من هذا القبيل زمناً طويلاً، وكم من الكفاءات العلمية في مجال العلم الشرعي وتجديده قد خسرناها لهذا السبب. وكان الاعتراض على بعض مَن تسيّدوا ساحة العلم الشرعي بسبب هذا المنهج الباعث لمعارك فكرية أدت إلى احتراب الأمة في القديم، يُغيّب عن الساحة العلمية أفضل رجالاتها، وظل المخلصون لله ثم للدين ثم للوطن يُنادون جيلاً بعد جيل بترك هذا المنهج، الذي جعل الكثيرين أعداء لبعضهم ولا يستمع إليهم، بل ويُؤذَون، فينسحبون بعيداً ويشيع في المجتمع هذا الفكر المُفرِّق للأمة، وإنا لنرجو أنه آن الأوان للعمل على منهج السماحة والاعتدال اليوم، والله الموفق.