العربية تهدد الغرب!

من حين لآخر يرتسم أمامنا شاهدٌ من حِكَم العرب وأمثالهم المضمَّنة في سياق منثوراتهم وأشعارهم؛ ليُؤكِّد صحة رأيٍ ما، أو ليُعاضد حقيقةً ما. أمامَنا شطرٌ من بيتِ شِعرٍ عربيٍّ جاء فيه: «والحقُّ ما شهدتْ بهِ الأعداءُ»، هذا الشطر له دِلالاته وأبعاده التي لا تغيب عن الذهنية الواعية المُدركة؛ فحين تأتي الشهادة من العدو فهي تعني أنها متجرِّدة من حظوظ النفس، خالية من قصدية المنفعة، لا يرجو مُنشِئُها من ورائها مغنمًا، وإنما هي حقيقة ناصعة تأنف الانزواء وعدم الظهور والتجلِّي، ولا تقبل غمط الحق وضياع الحقيقة، ولذا تأتي ناصعة جلية لتهدم جدار اليأس، وتزيح حُجُب الوهم.

بالأمس تحدث وزير التعليم الفرنسي (جان ميشيل) لإحدى القنوات التلفزيونية، وذكر أنه عازم على تطوير إستراتيجية نوعية في ما يتعلق باللغة العربية، مُؤكِّدًا على أنه ينبغي أن تُعطى للغة العربية هيبةً. لم يكتفِ الوزير بهذا، بل أكَّد على أن اللغة العربية تُعد من أعظم اللغات إلى جانب اللغتَين الصينية والروسية، ثم يأتي ليتعمَّق في مميزات اللغة العربية فيصفها بأنها لغة أدبية عظيمة، يجب تعلّمها ليس فقط من طرف التلاميذ من أصول مغاربية وعربية. هذه التصريحات وأمثالها ترتب عليها ردود أفعال ثلاثة: الأول- من الداخل الفرنسي الذي يرى في هذه التصريحات إخلالاً بمكانة اللغة الفرنسية داخليًّا وخارجيًّا، وذهب البعض أبعد من ذلك حين اعتبر الاهتمام باللغة العربية إيذانًا بانهيار الغرب! بل إن الجناح اليميني حذر من عواقب هذه الخطة. الثاني- من العرب الحريصِين على اللغة العربية الراغبِين في انتشارها وأخذها مكانتها اللائقة بها بوصفها اللغة الأوفر معجمًا لفظيًّا، والأطول مدرجًا صوتيًّا، والأكثر ثراءً لغويًّا، فهؤلاء تسرّهم مثل هذه التصريحات، خصوصًا وقد أتت من الأعداء، ويعتبرونها شهادةً تُعزِّز مواقفهم وتدعم آراءهم، وتُثبت صوابية دعواتهم، وتُحقِّق في الوقت نفسه الدعاية والانتشار للغة العربية. الموقف الأخير- هو رد فعل المهرولِين خلف دعوات التغريب للغة العربية، فهؤلاء لا تسرّهم مثل هذه التصريحات؛ لأنها تأتي على أمانيهم وتطلعاتهم الرامية إلى استبدال اللغات الأعجمية باللغة العربية بزعمهم أن تلك اللغات هي لغات العصر العالمية الحية، في حين يرون اللغة العربية لغة جامدة غير متجددة ولا تساير العصر ومنجزاته، ولذا تراهم يهوِّنون من أي ميزة للغة العربية، ويعمدون للتقليل من شأنها، في المقابل تراهم يحتفون باللغات الأخرى على ضآلة مميزاتها، بل ويحتفون باللغة المحلية (العامية) مع أنهم في عداد حراس الفصحى، ولا أدل على ذلك من دعوة المغربي نور الدين عيوش وتزهيده مؤخرًا في اللغة العربية بالمقررات المغربية، ودعوته إلى التدريس باللغة المحلية. لعل الأوضاع العربية المتردية، وحالة التخلف الثقافي والحضاري، وحالة الضعف التي ضربت بأطنابها على كثير من العرب كانت جميعها عوامل ساهمت في تراجع اللغة العربية في الداخل العربي وعلى المستوى الخارجي، غير أن اعتماد اليونسكو اللغةَ العربيةَ لغة رسمية، ثم تفعيلها اليومَ العالمي للغة العربية، ثم ظهور تصريحات الإشادة والاحتفاء باللغة العربية من شخصيات قيادية وثقافية، كالوزير الفرنسي وغيره، تُعد مؤشرات جيدة على أحقية اللغة العربية بالعناية والاحتفاء والانتشار، لكنها تظل غير كافية ما لم تكن المبادرة نابعة من الداخل العربي -حكوماتٍ ومؤسساتٍ وأفرادًا- في ظل نيَّة خالصة ورغبة صادقة.

أخبار ذات صلة

جدة.. الطريق المُنتظر.. مكة!!
إسراف العمالة (المنزليَّة)!
اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة
الإنسان النصف!!
;
من طوكيو إلى واشنطن بدون طيار!!
التعليم أهم رسالة.. والمعلم أهم مهنة
كوني قوية فلستِ وحدكِ
شهامة سعودية.. ووفاء يمني
;
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
هل يفي ترامب بوعوده؟
;
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!