قسوة الغذامي على بثينة و«ورشتها»..!!
تاريخ النشر: 25 أكتوبر 2018 01:00 KSA
هناك من يرى أن الغذامي كان قاسياً على الروائية الكويتية المعروفة بثينة العيسى، التي ورد اسمها في إعلان عن ورشة بعنوان (الرواية: من الفكرة إلى التنفيذ)، يفترض أن تقدمها في الرياض لمدة يوم واحد (ثلاث ساعات) وقيمة الاشتراك فيها (700 ريال).
قال الغذامي حين سئل عن الورشة: «هذه المخادَعة بعينها والله (الرواية من الفكرة إلى التنفيذ) طبخة شكشوكة.. طبعاً ديكنز وهومنجواي، ونجيب محفوظ والطيب صالح ورجاء عالم وأبو دهمان والقصيبي كانوا كلهم طباخي شكشوكة، وحضروا دروساً كهذه، فكرة وتنفيذاً، وهات يا روايات ادفع 700 ريال وكن روائيا بيومين».
وعبارة ناقدنا قاسية بالفعل، لكن من يقرأها جيداً يعلم أنه لم يعنِ بثينة (الكاتبة المتمرسة والمبدعة الخبيرة في عالم الكتابة) بقدر ما يعني الظاهرة. إن الغذامي يرفض تحويل عملية الكتابة وتعليمها إلى سلعة استهلاكية تضمها ثقافة الاستهلاك السطحية التي أصبحت سمةً للعصر على ما يبدو. يرفض الغذامي ويتوجس -كما نرفض ونتوجس- من أن تستحيل المعرفة إلى مجرد كبسولات مكثفة عوضاً عن الجهد والتعلّم الممنهج الدؤوب. نرفض -مع الغذامي- هذه النزعة التي أصبحت ظاهرة اجتماعية نحو البحث عن أقصر الطرق وأسهلها للحصول (كما يزعمون) على المعرفة، وثقافة الدورات وورش العمل صورة من صور هذه الظاهرة. من هنا خرج علينا جيل من هواة (الدورات الخارقة) التي (تجعلك ثرياً في أسبوع)، (وتطلق عملاقك في يوم)، و(تجعل الجمر بارداً، حتى لو شيطت قدماك)!!
إن أهمية الدراسة الجادة وطلب المعرفة بتأنٍ تكمن في بناء ذلك التراكم المعرفي الذي تتشربه الشخصية عبر سيل من التجارب والمواقف والقراءات والمناقشات خلال مدة زمنية تتيح لكل هذه العناصر أن تندمج لتسهم في إنضاج الشخصية الفكرية والنقدية. وفيما يخص عالم الكتابة الأدبية فإن القراءة المتأنية الواعية والمستمرة حتى تنضج الموهبة والأدوات والأفكار (كما يشير الغذامي) هي الطريقة المثالية، ولو كانت هي الطريقة المعتمدة لما صعد إلينا جيل ممن يستسهلون عملية النشر واللهاث خلف الشهرة بأعمال ركيكة بائسة.
أعلم أن هناك من يرى أن هذه الدورات مفيدة؛ بوصفها مقدمات معرفية للجمهور توفر خطوات تقنية محددة لإنجاز المهام (كتابة الرواية في حالة بثينة) وتختصر الزمن. كما أن لها جمهورها الذي يستفيد منها، ورغم ذلك فأنا أرى وجوب حصرها في نطاق ضيق جداً، بحيث لا يقدمها إلا المتخصصون، وأن تكون موضوعاتها متخصصة وفنية محددة.
لا نستطيع أن نغفل هنا الجانب المادي الإشكالي لهذه الظاهرة، فكثيراً ما تكون مطية لاستغلال حاجة الناس: (تعلم الجهة رغبة الشريحة في معرفة شيء ما عن قضية ما، وتعلم أيضاً نزعة هذه الشريحة الاستهلاكية المتمثّلة في الحصول على المعرفة الكبسولية المختصرة، فتوفر الدورة.. وتحاول وسمها بطابع احترافي يقدمها مدرب معتمد (وهي شريحة تتكاثر بغرابة).. وتضع لها سعراً (وكلما زاد السعر زاد الإقبال)... وهكذا).
قد يقول قائل إنه خطأ الناس الذين يحتشدون لمثل هذه الدورات، لكني أقول إن المسؤولية مشتركة يتحملها حتى أولئك الذين لا يَرَوْن في حاجات الناس غير فرص (لانتفاخ الجيوب). من هنا يأتي دور المثقف الحقيقي ليواجه مثل هذه الظاهرة... كي لا يخرج لنا جيل «نصف استواء».. جيل مدربين معتمدين.. ومتخصصين (بحفنة دورات).. وروائيين.. لا علاقة لهم بالكتابة الأدبية، ولا بالرواية سوى حضورهم لورشة مثل ورشة بثينة العيسى، و دفعهم للـ(700) ريال.
قال الغذامي حين سئل عن الورشة: «هذه المخادَعة بعينها والله (الرواية من الفكرة إلى التنفيذ) طبخة شكشوكة.. طبعاً ديكنز وهومنجواي، ونجيب محفوظ والطيب صالح ورجاء عالم وأبو دهمان والقصيبي كانوا كلهم طباخي شكشوكة، وحضروا دروساً كهذه، فكرة وتنفيذاً، وهات يا روايات ادفع 700 ريال وكن روائيا بيومين».
وعبارة ناقدنا قاسية بالفعل، لكن من يقرأها جيداً يعلم أنه لم يعنِ بثينة (الكاتبة المتمرسة والمبدعة الخبيرة في عالم الكتابة) بقدر ما يعني الظاهرة. إن الغذامي يرفض تحويل عملية الكتابة وتعليمها إلى سلعة استهلاكية تضمها ثقافة الاستهلاك السطحية التي أصبحت سمةً للعصر على ما يبدو. يرفض الغذامي ويتوجس -كما نرفض ونتوجس- من أن تستحيل المعرفة إلى مجرد كبسولات مكثفة عوضاً عن الجهد والتعلّم الممنهج الدؤوب. نرفض -مع الغذامي- هذه النزعة التي أصبحت ظاهرة اجتماعية نحو البحث عن أقصر الطرق وأسهلها للحصول (كما يزعمون) على المعرفة، وثقافة الدورات وورش العمل صورة من صور هذه الظاهرة. من هنا خرج علينا جيل من هواة (الدورات الخارقة) التي (تجعلك ثرياً في أسبوع)، (وتطلق عملاقك في يوم)، و(تجعل الجمر بارداً، حتى لو شيطت قدماك)!!
إن أهمية الدراسة الجادة وطلب المعرفة بتأنٍ تكمن في بناء ذلك التراكم المعرفي الذي تتشربه الشخصية عبر سيل من التجارب والمواقف والقراءات والمناقشات خلال مدة زمنية تتيح لكل هذه العناصر أن تندمج لتسهم في إنضاج الشخصية الفكرية والنقدية. وفيما يخص عالم الكتابة الأدبية فإن القراءة المتأنية الواعية والمستمرة حتى تنضج الموهبة والأدوات والأفكار (كما يشير الغذامي) هي الطريقة المثالية، ولو كانت هي الطريقة المعتمدة لما صعد إلينا جيل ممن يستسهلون عملية النشر واللهاث خلف الشهرة بأعمال ركيكة بائسة.
أعلم أن هناك من يرى أن هذه الدورات مفيدة؛ بوصفها مقدمات معرفية للجمهور توفر خطوات تقنية محددة لإنجاز المهام (كتابة الرواية في حالة بثينة) وتختصر الزمن. كما أن لها جمهورها الذي يستفيد منها، ورغم ذلك فأنا أرى وجوب حصرها في نطاق ضيق جداً، بحيث لا يقدمها إلا المتخصصون، وأن تكون موضوعاتها متخصصة وفنية محددة.
لا نستطيع أن نغفل هنا الجانب المادي الإشكالي لهذه الظاهرة، فكثيراً ما تكون مطية لاستغلال حاجة الناس: (تعلم الجهة رغبة الشريحة في معرفة شيء ما عن قضية ما، وتعلم أيضاً نزعة هذه الشريحة الاستهلاكية المتمثّلة في الحصول على المعرفة الكبسولية المختصرة، فتوفر الدورة.. وتحاول وسمها بطابع احترافي يقدمها مدرب معتمد (وهي شريحة تتكاثر بغرابة).. وتضع لها سعراً (وكلما زاد السعر زاد الإقبال)... وهكذا).
قد يقول قائل إنه خطأ الناس الذين يحتشدون لمثل هذه الدورات، لكني أقول إن المسؤولية مشتركة يتحملها حتى أولئك الذين لا يَرَوْن في حاجات الناس غير فرص (لانتفاخ الجيوب). من هنا يأتي دور المثقف الحقيقي ليواجه مثل هذه الظاهرة... كي لا يخرج لنا جيل «نصف استواء».. جيل مدربين معتمدين.. ومتخصصين (بحفنة دورات).. وروائيين.. لا علاقة لهم بالكتابة الأدبية، ولا بالرواية سوى حضورهم لورشة مثل ورشة بثينة العيسى، و دفعهم للـ(700) ريال.