كيف تنمو الحضارات العربية؟!

كل أمة تسعى للنمو الحضاري وتبتغيه، لكن سر النجاح في الوصول إلى ذلك الهدف، يكمن دوماً في الأساليب والأدوات التي تُمارسها كل أمة للوصول إلى ذلك المبتغى، فإذا كانت تلك الأساليب والأدوات علمية، ومبنية على أسس مدروسة ومتقنة، فإن النتيجة الحتمية لذلك، هي النمو الحضاري التراكمي المضطرد في مختلف المناحي الحياتية، وأما إذا كانت تلك الأساليب والأدوات عشوائية، وليس لها أساس علمي، فإن النتيجة الحتمية لذلك، سوف تكون الفشل المضطرد، والدوران في حلقة مفرغة، لا تقوم على عمل مؤسسي.

ولتأكيد ذلك المبدأ نستخلص واقع الحال الذي تعيشه كثير من الدول العربية، والتي تملك المقومات للنمو الحضاري، ولكن أغلب مؤسساتها تخفق في ممارسة الأساليب العلمية في تفعيل نموّها الحضاري، حيث نجدها تفتقد للتخطيط بكل مستوياته القريب والمتوسط والبعيد، وإن دوّنته كتابياً، فهي لا تلتزم به فعلياً، كون قرارات تلك المؤسسات فردية ومركزية، ولا تقوم على عمل مؤسسي، حيث نجد كل مَن يتولَّى المسؤولية الإدارية، ينقض ما قام به مَن قبله، ليبني مجداً شخصياً لا مؤسسياً، كما وأن اختراق تلك الخطط وتشتيتها وتعديلها يُصبح في متناول يد قائد المؤسسة، وهذا بالطبع يُعيق التنمية في تلك الدول ويُفسد ما فعله الآخرون، فتكون النتيجة إهدار الجهود والأموال، فتمضي السنوات، ويبقى الحال على ما هو عليه.


أما إذا كان العمل مؤسسياً، ويقوم على خططٍ قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى، كل خطة منها تسير وفق المدوّن لها، من حيث الزمن والمعطيات، فإن النتيجة حتماً سوف تكون منتجات حضارية متلاحقة متراكمة متكاملة، كل قائد مؤسسة يأتي ليُكمل ما بدأه مَن قبله، ويكون المُنجَز المُسجَّل له مُكمِّلاً لمَن كان قبله، كما وأن تلك الخطط لا يُمكن لقائد مؤسسة ما؛ اختراقها، وتغيير مسارها وفق هواه الشخصي، بل عليه أن يلتزم بمسارها وفق ما خُطِّط لها، وحتى لو حدثت ظروف طارئة، فإن تعديلها لا يتم من قِبَل قائد المؤسسة وحده، بل من خلال مجالس أو لجان يحكمها النظام الشوري.

ومن هذا المنطلق، نجد أن دول العالم الأول تسير على هذا النهج وتلتزم بمساراته، فنراها دولاً منتجة للمعرفة، لا مستهلكة لها، كما وأننا نراها تتكامل حضارياً وتنموياً فيما بينها، حيث تبدأ من حيث انتهى الآخرون، كما وأنها تقوم على القرارات المستمدة من دراسات وأبحاث علمية.. أما أغلب الدول العربية فتنطلق مؤسساتها مِن قراراتٍ فردية اجتهادية، لا تنبع من دراسة أو بحث علمي، وهنا يكمن السر في التنامي الحضاري لكل أمة، ولعل الحال الذي تعيشه العديد من المؤسسات العربية يُبرز حجم التخلف الذي تعيشه مجتمعاتها في ممارسة تلك الأساليب العلمية، واعتمادها على القرارات الفردية الاجتهادية التي لا تُحقِّق لهم الجديد، بل نراها تُبالغ في تأخُّرهم عن الأمم المتقدمة، والمُحزن أن ما تعيشه تلك المجتمعات من حضارة، هي وهمية، تقوم على الاستهلاك في كل شئ، والعجز عن إنتاج أي شئ، وما يُضاعف حُزنك أن دول العالم الأول تعتمد على الثروات الطبيعية للدول العربية، لتُنتج وتَتقدَّم بعد أن أهملتها بعض تلك الدول، وهنا تحديداً يكمن سر التخلُّف لها، وتقدُّم دول العالم الأول، فهل تفطن الدول العربية لذلك، وتبدأ في بناء تنميتها على أسسٍ علمية، ويصبح العمل المؤسسي طريقها للحاق بدول العالم الأول؟.. هو ما أتمنى. والله من وراء القصد.

أخبار ذات صلة

حتى أنت يا بروتوس؟!
حراك شبابي ثقافي لافت.. وآخر خافت!
الأجيال السعودية.. من العصامية إلى التقنية الرقمية
فن الإقناع.. والتواصل الإنساني
;
عن الاحتراق الوظيفي!
سقطات الكلام.. وزلات اللسان
القطار.. في مدينة الجمال
يومان في باريس نجد
;
فن صناعة المحتوى الإعلامي
الإدارة بالثبات
أرقام الميزانية.. تثبت قوة الاقتصاد السعودي
ورود
;
حان دور (مؤتمر يالطا) جديد
الحضارة والتنمية
خط الجنوب وإجراء (مأمول)!
الشورى: مطالبة وباقي الاستجابة!!