البلطجة!!

في ظل التطور الهائل الذي يعيشه عالمنا اليوم في مختلف المناحي الحياتية، ومنها بالطبع وجود الأنظمة والقوانين الرادعة والضابطة والمعاقبة لكل مخالفٍ لتلك الأنظمة والقوانين، وكل متعدٍ على حقوق الآخرين وخصوصياتهم وممتلكاتهم المادية والفكرية، في ظل كل ذلك، نجد أن هنالك فئة في عالمنا العربي لا تزال تعيش مرحلة أسلافهم في العصر الجاهلي، حينما كانت حالة السلب والنهب والقتل تخضع للقوة الجسدية أو السلطوية الممنوحة من المجتمع، فنجد البعض منهم يزهق آلاف الأرواح من أجل ناقة أو فرس، أو حتى لمجرد كلمة أطلقها البعض خطأ، كما نجد البعض يعتدي على أموال الغير، فينهب ويسلب ويسبي ويخرب كيفما أراد، دون النظر لجانب أخلاقي أو اجتماعي أو إنساني، وقد نمنح -لمثل تلك الممارسات- البلطجية بعض العذر لعدم توفُّر الأنظمة والقوانين الرادعة في تلك الفترة الزمنية، سوى بعض الأنظمة العُرفية التي تُخترق بسهولة من قِبَل المُتنفِّذين جسدياً أو اجتماعياً، لكن أن تُمارَس مثل تلك الأساليب من البلطجة في وطننا العربي في هذه المرحلة المنتفخة بالأنظمة والقوانين المحلية والدولية، فهذا أمر لا يمكن قبوله أبداً، ولو أسقطنا تلك الحالة من البلطجة على التي كانت في العصر الجاهلي لوجدناها تُمارَس بكل وضوح وسفور حالياً في وطننا العربي، وتحت مرأى ومسمع التقدم التقني والإعلامي، وكم هي الأحداث كُثر التي تُبرز مثل تلك الممارسات في وطننا العربي الكبير، حيث اتضحت بصورةٍ جلية سافرة إبان المظاهرات التي كان يُطلق عليها زوراً وبُهتاناً الربيع العربي، والتي لازال يمارسها البعض لفرض رغباته وأطماعه بالقوة على الآخرين دون النظر إلى تلك الأنظمة والقوانين، وعدم أخذها في الاعتبار، ومثل حالات الممارسات الفسادية الإدارية والمالية التي يمارسها بعض مسؤولي المؤسسات الحكومية العربية لمنع حقوق الآخرين وسلب الأموال العامة بغير وجه حق، ومعاقبة البعض انطلاقاً من سلطته لا انطلاقاً من الأنظمة والقوانين.

وعلى المستوى الشعبي، نجد أن تلك الحالة من البلطجة تُمارَس بنفس الصورة، ولكن مع اختلاف الأدوات، فنجد البعض يقفز على الأنظمة ويتجاوزها لنيل حق مسلوب أو لسلب حق ممنوح للغير، وكم هي الحالات التي يطول وصفها وتعدادها من تلك الممارسات البلطجية، والتي يلمسها الكثير مِنَّا كل يوم في مسارب وطننا العربي الحبيب، والمؤسف أن مثل تلك الممارسات تتعارض تماماً مع تعاليم ديننا الحنيف وقِيمه ومبادئه، بالإضافة إلى تعارضها مع الأنظمة والقوانين المحلية والدولية.


ومن هذا المنطلق، أتمنى من جامعتنا العربية التي لا نجد لها أثراً يُذكَر ويُسجّله التاريخ، سوى تنظيم الاجتماعات العربية العربية، فهل نراها من خلال مسماها (الجامعة) تسعى لجمع الشتات العربي، ونراها تضع الهيئات والوكالات والبرامج أو المنظمات الضابطة والمنظمة للأمن والصحة والتعليم والبيئة والإنماء والإغاثة والإسكان والطفولة والتجارة ومكافحة الجريمة والزراعة وحفظ السلام ودعمها، لتكون مرجعاً.. كما هو حال الأمم المتحدة التي نراها لا تهتم بالحال العربي، وكم هو جميل أن تكون تلك الجامعة أداة لمكافحة البلطجة المتوارثة من العصر الجاهلي، وكم هو أجمل أن تكون نواة لوطنٍ عربيٍّ كبير، يجمعه أنظمة وقوانين مُوحَّدة وعملة موحَّدة، ليصبح هذا الوطن الكبير مجتمعاً متكاملاً حضارياً وفكرياً، وحتما ستذوب الكثير من تلك الأحقاد والأضغان والبلطجة أيضاً. والله من وراء القصد.

أخبار ذات صلة

حتى أنت يا بروتوس؟!
حراك شبابي ثقافي لافت.. وآخر خافت!
الأجيال السعودية.. من العصامية إلى التقنية الرقمية
فن الإقناع.. والتواصل الإنساني
;
عن الاحتراق الوظيفي!
سقطات الكلام.. وزلات اللسان
القطار.. في مدينة الجمال
يومان في باريس نجد
;
فن صناعة المحتوى الإعلامي
الإدارة بالثبات
أرقام الميزانية.. تثبت قوة الاقتصاد السعودي
ورود
;
حان دور (مؤتمر يالطا) جديد
الحضارة والتنمية
خط الجنوب وإجراء (مأمول)!
الشورى: مطالبة وباقي الاستجابة!!