قطار "وعد الشمال" يرسم مسار التنمية في صحراء الحدود الشمالية
سطّرت مدينة "وعد الشمال الصناعية" صفحة مشرقة جديدة في سجل منطقة الحدود الشمالية التي كانت لها كتب في تاريخ الحضارات والتاريخ العربي والإسلامي، ومذكرات الرحالة وقوافل الحجيج. اليوم تفتح المنطقة صفحة جديدة من التنمية والصناعة، منقولة عبر مقصورات قطار "وعد الشمال" الذي يجوب الصحراء معيداً رسم معالم التنمية، وحاملاً خيرات المنطقة إلى العالم عبر ميناء رأس الخير.
في مدينة "وعد الشمال" يشاهد الزائر صروحاً عملاقة، تقف خلفها منظومة متكاملة تولت التنفيذ والإشراف والتمويل، فجعلتها مدينة نموذجية تربطها بالعالم شبكة طرق ومسار سكة حديد يمتد مئات الكيلومترات، إذ تمكنت "الشركة السعودية للخطوط الحديدية" (سار) من ربط مرافق "وعد الشمال" بخط حديدي يمتد بطول 130 كيلومتراً ليتصل بمشروع "قطار الشمال"، إضافة إلى تنفيذ وصلة بطول 60 كيلومتراً تربط معامل الكبريت المصهور التابعة لشركة "أرامكو السعودية" في واسط بالمنطقة الشرقية، ليقطع القطار مسافة 1550 كيلومتراً في جلب الكبريت المصهور إلى "وعد الشمال"، ونقل حامض الفوسفوريك من المدينة إلى ميناء رأس الخير الصناعية المطلة على الخليج العربي بمعدل 20 رحلة شهرياً.
ولهذا المشروع الضخم خصصت "سار" أسطولاً يتكون من 1187 عربة وقاطرة بمبلغ تجاوز 1.7 مليار ريال، وبدأت فعلاً بنقل الكبريت المصهور في مايو 2017م، فيما بدأ نقل حامض الفسفوريك في يونيو 2017م.
وفي أغسطس الماضي، سمع أهالي المنطقة صافرة قطار "وعد الشمال"، حاملاً باكورة الإنتاج من الأسمدة الفوسفاتية إلى ميناء رأس الخير. وبلغ حجم الشحنة نحو 26 ألف طن متري، من أسمدة ثنائي فوسفات الأمونيوم (DAP)، وبذلك دخلت "وعد الشمال" فعلياً الخريطة العالمية لصناعات الفوسفات، وهي في طريقها إلى أن تكون أحد أهم عواصم إنتاج وتصنيع الفوسفات في العالم.
وكان قطار «سار» كان بدأ عمليات نقل المعادن العام 2011، بنقل خام الفوسفات المستخدم في صناعة الأسمدة من مناجم حزم الجلاميد في منطقة الحدود الشمالية إلى مرافق «معادن» في مدينة رأس الخير على الخليج العربي، بينما بدأ قطار نقل خام البوكسايت (المصدر الرئيس في تكوين الأولمنيوم) مهمته في مايو 2014، بنقل خام البوكسايت من منجم البعيثة في منطقة القصيم إلى مصانع شركة (معادن) في رأس الخير.
وشكل وجود خط حديدي لنقل الكبريت المصهور وحامض الفوسفوريك إلى مدينة وعد الشمال حلاً عملياً أسهم في إزاحة آلاف الشاحنات عن الطرق يومياً تنقل الكمية ذاتها، الأمر الذي ترتب عليه توفير 70% من الوقود المستهلك في نقل الحمولة نفسها بالشاحنات، فضلاً عن خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 75%، إضافة إلى الدور الحيوي للقطارات في توفير السلامة على الطرق وخفض نسبة الحوادث.
اليوم تفتح المنطقة صفحة جديدة من التنمية والصناعة خصوصاً صناعة المعادن الأسمدة الفوسفاتية، إذ يتوقع أن تغير مفهوم هذه الصناعة وتجعل المملكة العربية السعودية قوة عالمية في هذا المجال، بالإضافة إلى تحقيق التنمية المستدامة، كونها رافداً جديداً مليئاً بالخيرات، سيضفي تحسناً على حياة نحو 320 ألفاً من سكان المنطقة، بالإضافة إلى تنويع مصادر الدخل للاقتصاد السعودي، وتوفير الفرص الوظيفية ذات القيمة المضافة للمواطنين.
وكانت "وعد الشمال" بوعد ملكي، حينما زار الملك عبدالله - رحمه الله - المنطقة، ووعد الأهالي بأن تنال نصيبها من التنمية والرخاء والازدهار، لتكون أولى الخطوات في العام 2012 م، حينما وافق مجلس الوزراء على إنشاء "مدينة وعد الشمال الصناعية" (مشروع الملك عبدالله لتطوير مدينة وعد الشمال)، ليكمل مسيرة البناء أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - وفقه الله - ويحقق الوعد، حاملاً على عاتقه مسؤولية الإنجاز، وهذا ما تم بالسواعد الوطنية ومشاركة الوزارات والمؤسسات المعنية، بناء على النهج الذي رسمته "رؤية 2030" الهادفة إلى تحقيق التنمية والرخاء للمملكة وشعبها.