خطيب العيد.. وخطابه!!
تاريخ النشر: 14 أغسطس 2019 21:34 KSA
من الطبيعي أن يثير حديث خطيب العيد الرافض لعمل المرأة ما أثار من ضجة وجدل في الوسط المحلي، خصوصاً وأن الجزء الذي سجلته الفتاة رأي حاد وصادم يفتقر للمنطقية وفهم طبيعة العصر. لكني رغم ذلك لا أعجب من حديث الخطيب ولا من الضجة التي أحدثها، فهو حديث مكرر ينتمي لخطاب متجدد. (دعونا لا ننسى أن هذا الخطاب أتيح له في فترة ماضية من الظروف ما جعله ينضج ويمتلك أدوات السيطرة لبث مبادئه الخاصة وزرع بذور أيديولوجيته في تربة المجتمع السعودي دون رقيب أو حسيب).
لا يمكننا أن ننكر أن هذا الخطاب لا يزال متجذراً في مفاصل المجتمع، رغم تغير الزمان والظروف التي توهم أحياناً أن ذهنية الصحوة التي سيطرت على المجتمع في ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم قد أصبحت من الماضي، ولم يعد لها تأثير في حاضرنا الذي نعيشه؛ يمكن أن أشير هنا إلى حملات الهجوم «المتطرفة» ضد كل خطاب أو رأي تحديثي: والأمثلة على حملات الكراهية كثيرة كما تعلمون، لعل منها الحملة الشرسة ضد معالي وزير الشؤون الإسلامية إثر موقفه العفوي والإنساني مع الحاجة النيوزلندية، والضجة التي أثيرت بعد قرار ولاية المرأة، ومع كل فعاليات هيئة الترفيه، والموقف من عبده خال مؤخراً حين أبدى رأيه في مسألة متن الحديث الشريف وسنده، وقد كنت أنا قبل شهور هدفاً لحملة كراهية مشابهة بعد أن قلت رأيي في موضوع إغلاق المحلات وقت الصلاة... وغيرها من الأمثلة. في هذه الحالات كلها يُستفزع بأقوال وأحاديث وفتاوى معروفة سلفاً، وتُستخدم منابر المساجد كما تُستخدم وسائل الاتصال بمنصاتها المختلفة (ولعل لمجموعات الواتس آب الصدارة دوماً) للتشنيع والهجوم والإقصاء.
ما أريد قوله إننا نخطئ إذا اعتبرنا أن خطاب التشدد الذي عانى منه المجتمع السعودي لعقود من الزمن قد انتهى وولَّى زمانه. فرغم كل ما يشهده وطننا الفتي من تغيير مبهج، يمكن لنا أن نشعر بأنفاس الرفض والغضب التي يبثها هذا الخطاب الرابض.
يبدو لي أن دور وزارة الشؤون الإسلامية مهم في هذا الشأن، لكنه لا -ولن- يكفي إذا لم تكن مواجهة هذا الخطاب نابعة من وعي اجتماعي يدرك مخاطره حقاً، ليرفضه ويخرج من عباءة سلطته. وكلنا يعلم أن هذا الوعي الاجتماعي لا يتشكل بسهولة، بل يحتاج لعمل منظم ودؤوب، يبدأ -أولاً- بالاعتراف بالمشكلة (التي تتلخص في قدرة هذا الخطاب على التكيف مع الظروف للبقاء وإعادة تجديد نفسه)، ثم النظر بعد ذلك للعوامل التي تسهم في بقاء هذا الخطاب وتعزيز سلطته. والحديث عن هذه العوامل يقودنا مباشرة إلى خطيب العيد واستغلاله للمسجد ولمنبره لتمرير رأيه الغريب العجيب.
يمثل المسجد مركزاً مهماً، وكعبة يتحلَّق حولها أفراد المجتمع السعودي، يثقون فيها ويشعرون نحوها بانتماء يوفر لهم طمأنينة وروحانية تساعدانهم على مواجهة صعوبات الحياة. فكروا معي في عدد المساجد الهائل الذي تكتظ به أحياء مدن المملكة وقراها، فكِّروا في الصلوات الخمس التي يجتمعون فيها كل يوم للصلاة خلف إمامهم، فكِّروا في عدد الأنشطة التي تنظمها المساجد، في حلقات التحفيظ، والرحلات والدروس والمحاضرات، وخطب الوعاظ (من أنصاف المتعلمين). وفكِّروا معي أيضاً في جماعة المسجد، ومجموعة المسجد على الواتس آب... وغيرها من المظاهر التي تثبت دور المسجد في تشكيل الوعي الاجتماعي، ثم خذوا نفساً عميقاً.. وصادقاً، وفكِّروا في العديد من الذين يعتلون منابر هذه المساجد، ويقودون الصفوف فيها.. خذوا نفساً.. وتأملوا في مواقفهم الحقيقية من عمل المرأة وقيادتها وولايتها، ومن كل قرارات الدولة التي تعزز مسيرة التحديث.. ثم بعد ذلك قرروا أن تتعجبوا.. -أو لا تتعجبوا- من خطيب العيد.. «اللي» جاب العيد!!
لا يمكننا أن ننكر أن هذا الخطاب لا يزال متجذراً في مفاصل المجتمع، رغم تغير الزمان والظروف التي توهم أحياناً أن ذهنية الصحوة التي سيطرت على المجتمع في ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم قد أصبحت من الماضي، ولم يعد لها تأثير في حاضرنا الذي نعيشه؛ يمكن أن أشير هنا إلى حملات الهجوم «المتطرفة» ضد كل خطاب أو رأي تحديثي: والأمثلة على حملات الكراهية كثيرة كما تعلمون، لعل منها الحملة الشرسة ضد معالي وزير الشؤون الإسلامية إثر موقفه العفوي والإنساني مع الحاجة النيوزلندية، والضجة التي أثيرت بعد قرار ولاية المرأة، ومع كل فعاليات هيئة الترفيه، والموقف من عبده خال مؤخراً حين أبدى رأيه في مسألة متن الحديث الشريف وسنده، وقد كنت أنا قبل شهور هدفاً لحملة كراهية مشابهة بعد أن قلت رأيي في موضوع إغلاق المحلات وقت الصلاة... وغيرها من الأمثلة. في هذه الحالات كلها يُستفزع بأقوال وأحاديث وفتاوى معروفة سلفاً، وتُستخدم منابر المساجد كما تُستخدم وسائل الاتصال بمنصاتها المختلفة (ولعل لمجموعات الواتس آب الصدارة دوماً) للتشنيع والهجوم والإقصاء.
ما أريد قوله إننا نخطئ إذا اعتبرنا أن خطاب التشدد الذي عانى منه المجتمع السعودي لعقود من الزمن قد انتهى وولَّى زمانه. فرغم كل ما يشهده وطننا الفتي من تغيير مبهج، يمكن لنا أن نشعر بأنفاس الرفض والغضب التي يبثها هذا الخطاب الرابض.
يبدو لي أن دور وزارة الشؤون الإسلامية مهم في هذا الشأن، لكنه لا -ولن- يكفي إذا لم تكن مواجهة هذا الخطاب نابعة من وعي اجتماعي يدرك مخاطره حقاً، ليرفضه ويخرج من عباءة سلطته. وكلنا يعلم أن هذا الوعي الاجتماعي لا يتشكل بسهولة، بل يحتاج لعمل منظم ودؤوب، يبدأ -أولاً- بالاعتراف بالمشكلة (التي تتلخص في قدرة هذا الخطاب على التكيف مع الظروف للبقاء وإعادة تجديد نفسه)، ثم النظر بعد ذلك للعوامل التي تسهم في بقاء هذا الخطاب وتعزيز سلطته. والحديث عن هذه العوامل يقودنا مباشرة إلى خطيب العيد واستغلاله للمسجد ولمنبره لتمرير رأيه الغريب العجيب.
يمثل المسجد مركزاً مهماً، وكعبة يتحلَّق حولها أفراد المجتمع السعودي، يثقون فيها ويشعرون نحوها بانتماء يوفر لهم طمأنينة وروحانية تساعدانهم على مواجهة صعوبات الحياة. فكروا معي في عدد المساجد الهائل الذي تكتظ به أحياء مدن المملكة وقراها، فكِّروا في الصلوات الخمس التي يجتمعون فيها كل يوم للصلاة خلف إمامهم، فكِّروا في عدد الأنشطة التي تنظمها المساجد، في حلقات التحفيظ، والرحلات والدروس والمحاضرات، وخطب الوعاظ (من أنصاف المتعلمين). وفكِّروا معي أيضاً في جماعة المسجد، ومجموعة المسجد على الواتس آب... وغيرها من المظاهر التي تثبت دور المسجد في تشكيل الوعي الاجتماعي، ثم خذوا نفساً عميقاً.. وصادقاً، وفكِّروا في العديد من الذين يعتلون منابر هذه المساجد، ويقودون الصفوف فيها.. خذوا نفساً.. وتأملوا في مواقفهم الحقيقية من عمل المرأة وقيادتها وولايتها، ومن كل قرارات الدولة التي تعزز مسيرة التحديث.. ثم بعد ذلك قرروا أن تتعجبوا.. -أو لا تتعجبوا- من خطيب العيد.. «اللي» جاب العيد!!