الاحتفال باليوم الوطني.. في دار سينما
تاريخ النشر: 25 سبتمبر 2019 21:19 KSA
لا جديد..
كان أسبوعاً مفعماً بالخضرة والأمل.. بالفرح والتطلع لمستقبل مشرق لوطن شامخ..
قررت مع صديقي الأقرب أن ليلة الوطن مناسبة خاصة، تستحق تجربة خاصة أيضاً.. وبما إني لم أدخل للسينما في المملكة من قبل، فقد قررنا أن نشاهد فيلماً سينمائياً في جدة ليلة الاحتفال باليوم الوطني. وحجزنا عرضاً لفيلم براد بِت (عبر النجوم Ad Astra).
وصلنا قبل نصف ساعة من الموعد، فقررنا أن هناك وقتاً لوجبة، وحين دلفنا لمطعم وجبات سريعة، أشار لي العامل الآسيوي بحركة درامية، فهمت منها أن أتوجه لقسم الشباب، فاغتبطت أيما غبطة من شدة غيرة العامل على عوائلنا! هذه الغيرة كادت أن تخبص ليلتنا، لأن طلبنا تأخر قرابة عشرين دقيقة، لأن العمال كانوا ينادون على رقمنا في القسم العائلي ولا مجيب.. ورغم غبطتي (وتشققي) من غيرة العمال المكوكية، إلا أنني وجهت لهم وجبة مناسبة من اللوم والتأنيب.
أكلنا وجبتنا على عجل كأن الريح تحتنا، ثم هرولنا للفيلم،ووصلنا على الوقت والحمدلله.
هناك.. كان المنظر أجمل منه في المطعم بكثير.. كانت قاعة للجميع، لم يطردنا أحد.. ولم يشر لنا عامل ما لنخرج للقسم الآخر.. قاعة كبيرة وفخمة، حديثة الطراز، وجو يغطيه شعور جميل بالاطمئنان.. جلست على مقعدي، ولم أستطع منع نفسي من التفكير في كل المرات التي فعلتها في مشارق الأرض ومغاربها، وتحسّرت فيها على حرمان أبناء وطني
وبناته من هذه اللحظة الممتعة والمشعة.
كان المشهد باعثاً للبهجة.. مستوى الاحترام والتحضر في التعامل مع المكان، الهدوء والاستعداد لخوض التجربة، ثم ذلك الصمت الموسيقي العجيب، حين يُقص الشريط:
فيلمنا تدور أحداثه في الفضاء.. وأفلام الفضاء تركز عادة على الرسالة الانسانية، حين يخرج الإنسان لهذا الكون الفسيح العظيم، فيدرك حجمه الحقيقي، ويلمس صغره المتناهي. يضيع الإنسان في فضاء لا ينتهي فيسأل محتاراً كيف جعله الله محور الكون مع ذلك، بضعفه وهشاشته. يدرك الإنسان أنه خلق لغاية أسمى من مجرد الصراع والجشع والقتال للسيطرة على الطبيعة، يدرك أن مفهوم العمران أوسع بكثير من محاولة الفهم البشري القاصر. لذلك تركز أفلام الفضاء عادة على عكس صورة التلاحم البشري مقابل مسيرة التسابق والصراع للسيطرة على مقدرات الطبيعة والكون. تدور أحداث الفيلم عن رجل فضاء لامع (يقوم بدوره براد بت) يُرسل للفضاء بحثاً عن أبيه (تومي لو جونس) الذي أُرسل في مهمة خارج المجرة قبل ٣٠ عاماً.
كان الأب عالماً فضائياً متقدما على عصره، وصل لمرحلة من التفكير آمن فيها أن الحل الوحيد للبقاء تكمن في التواصل مع كائنات فضائية مسالمة وعاقلة تضمن بقاء النوع البشري والحياة بمفهومها الإنساني.. هذه العبقرية قادته لما يشبه الجنون.. وقد كانت مهمة الابن تكمن في إعادة أبيه لصوابه .. وللأرض والنَّاس.
في لحظة معينة.. اخترتُ أن أجول بنظري على القاعة المكتظة: كان منظراً جميلاً جداً.. طبيعياً جداً.. رجال ونساء، شباب صغار وشابات، أعينٌ مندهشة، وشفاهٌ باسمة، ونظراتٌ حالمة.. ومؤثرات الفيلم الصوتية تتداخل مع مؤثرات بشرية: الأنفاس، الضحكات الصغيرة، وقرقشات البوب كورن، ورائحة الملح الفواحة...
حين وجد بطل الفيلم أباه، طمأنه، وأكد له أن عمره الذي مضى في العلم والفضاء لم يضع سدى، حيث أثبت الأب دون مجال للشك: أننا -أي البشر- ليس لنا سوى بعضنا!!
انتهينا..
كانت الأنفاس تعيد ضبط إيقاعها مجدداً لتعود لواقعها بعد أن لعبت إثارة الفيلم بإعدادتها.
تركنا مقاعدنا، نحو المخرج بهدوء، وتحضر وطبيعية...
بشراً طبيعيين كنا، وسنظل.. رغم كل المحاولات التي حاولت تصويرنا غير ذلك عبر السنين.. طبيعيين جداً.. رغم أنف كل من يحاول تشويه صورتنا.
خرجنا، ونحن نردد مونولوج (براد بت) الأخير، وهو يقول:
« كَبشر..
ليس لنا -كي نبقى- غير أن نعيش..
ونحب..
نحب بعضنا..
ونحب الحياة..»
كان أسبوعاً مفعماً بالخضرة والأمل.. بالفرح والتطلع لمستقبل مشرق لوطن شامخ..
قررت مع صديقي الأقرب أن ليلة الوطن مناسبة خاصة، تستحق تجربة خاصة أيضاً.. وبما إني لم أدخل للسينما في المملكة من قبل، فقد قررنا أن نشاهد فيلماً سينمائياً في جدة ليلة الاحتفال باليوم الوطني. وحجزنا عرضاً لفيلم براد بِت (عبر النجوم Ad Astra).
وصلنا قبل نصف ساعة من الموعد، فقررنا أن هناك وقتاً لوجبة، وحين دلفنا لمطعم وجبات سريعة، أشار لي العامل الآسيوي بحركة درامية، فهمت منها أن أتوجه لقسم الشباب، فاغتبطت أيما غبطة من شدة غيرة العامل على عوائلنا! هذه الغيرة كادت أن تخبص ليلتنا، لأن طلبنا تأخر قرابة عشرين دقيقة، لأن العمال كانوا ينادون على رقمنا في القسم العائلي ولا مجيب.. ورغم غبطتي (وتشققي) من غيرة العمال المكوكية، إلا أنني وجهت لهم وجبة مناسبة من اللوم والتأنيب.
أكلنا وجبتنا على عجل كأن الريح تحتنا، ثم هرولنا للفيلم،ووصلنا على الوقت والحمدلله.
هناك.. كان المنظر أجمل منه في المطعم بكثير.. كانت قاعة للجميع، لم يطردنا أحد.. ولم يشر لنا عامل ما لنخرج للقسم الآخر.. قاعة كبيرة وفخمة، حديثة الطراز، وجو يغطيه شعور جميل بالاطمئنان.. جلست على مقعدي، ولم أستطع منع نفسي من التفكير في كل المرات التي فعلتها في مشارق الأرض ومغاربها، وتحسّرت فيها على حرمان أبناء وطني
وبناته من هذه اللحظة الممتعة والمشعة.
كان المشهد باعثاً للبهجة.. مستوى الاحترام والتحضر في التعامل مع المكان، الهدوء والاستعداد لخوض التجربة، ثم ذلك الصمت الموسيقي العجيب، حين يُقص الشريط:
فيلمنا تدور أحداثه في الفضاء.. وأفلام الفضاء تركز عادة على الرسالة الانسانية، حين يخرج الإنسان لهذا الكون الفسيح العظيم، فيدرك حجمه الحقيقي، ويلمس صغره المتناهي. يضيع الإنسان في فضاء لا ينتهي فيسأل محتاراً كيف جعله الله محور الكون مع ذلك، بضعفه وهشاشته. يدرك الإنسان أنه خلق لغاية أسمى من مجرد الصراع والجشع والقتال للسيطرة على الطبيعة، يدرك أن مفهوم العمران أوسع بكثير من محاولة الفهم البشري القاصر. لذلك تركز أفلام الفضاء عادة على عكس صورة التلاحم البشري مقابل مسيرة التسابق والصراع للسيطرة على مقدرات الطبيعة والكون. تدور أحداث الفيلم عن رجل فضاء لامع (يقوم بدوره براد بت) يُرسل للفضاء بحثاً عن أبيه (تومي لو جونس) الذي أُرسل في مهمة خارج المجرة قبل ٣٠ عاماً.
كان الأب عالماً فضائياً متقدما على عصره، وصل لمرحلة من التفكير آمن فيها أن الحل الوحيد للبقاء تكمن في التواصل مع كائنات فضائية مسالمة وعاقلة تضمن بقاء النوع البشري والحياة بمفهومها الإنساني.. هذه العبقرية قادته لما يشبه الجنون.. وقد كانت مهمة الابن تكمن في إعادة أبيه لصوابه .. وللأرض والنَّاس.
في لحظة معينة.. اخترتُ أن أجول بنظري على القاعة المكتظة: كان منظراً جميلاً جداً.. طبيعياً جداً.. رجال ونساء، شباب صغار وشابات، أعينٌ مندهشة، وشفاهٌ باسمة، ونظراتٌ حالمة.. ومؤثرات الفيلم الصوتية تتداخل مع مؤثرات بشرية: الأنفاس، الضحكات الصغيرة، وقرقشات البوب كورن، ورائحة الملح الفواحة...
حين وجد بطل الفيلم أباه، طمأنه، وأكد له أن عمره الذي مضى في العلم والفضاء لم يضع سدى، حيث أثبت الأب دون مجال للشك: أننا -أي البشر- ليس لنا سوى بعضنا!!
انتهينا..
كانت الأنفاس تعيد ضبط إيقاعها مجدداً لتعود لواقعها بعد أن لعبت إثارة الفيلم بإعدادتها.
تركنا مقاعدنا، نحو المخرج بهدوء، وتحضر وطبيعية...
بشراً طبيعيين كنا، وسنظل.. رغم كل المحاولات التي حاولت تصويرنا غير ذلك عبر السنين.. طبيعيين جداً.. رغم أنف كل من يحاول تشويه صورتنا.
خرجنا، ونحن نردد مونولوج (براد بت) الأخير، وهو يقول:
« كَبشر..
ليس لنا -كي نبقى- غير أن نعيش..
ونحب..
نحب بعضنا..
ونحب الحياة..»