ذلك النور الذي يشع من «سيدانة»..!!
تاريخ النشر: 24 أكتوبر 2019 00:09 KSA
كانت ليلة الثلاثاء الماضي مختلفة بكل ما تحمله من دلالات وبُشْريات وأمل؛ كنت ضيفًا على مركز سيدانة الثقافي النسائي بجدة، ولمن لا يعرفه، فسيدانة اختار لنفسه أن يكون بقعة تنوير وعطاء ثقافي وفني تؤدي دورها تجاه المجتمع وتجاه الوطن. يقوم المركز على جهود عدد من الزميلات المثقفات والمؤمنات بدورهن في المسؤولية الاجتماعية، والمؤمنات بدور القوة الناعمة في التغيير والتنمية، لذلك يقدم المركز برئاسة المبدعة جواهر الزهراني، ومديرة البرامج غادة بفلح، وبقية الزميلات والزملاء حزمة من البرامج المنوعة والثرية في شؤون ثقافية وفنية وعملية مختلفة.
ليلة الثلاثاء كان الاتفاق أن تكون ليلة أحكي فيها جوانب من تجربتي المتواضعة مع الشعر، لكني وجدت نفسي أعيش ثمار تجربتي مع الحياة وأنا أشاهد كرم الأصدقاء والصديقات والتفافهم حولي حبًا ومجاملة لصاحبهم.
حضرت الحكاية في الأمسية، كما حضر الشعر، والموسيقى، والصوت العذب، شاديًا ببعض نصوصي... تشعر وأنت هناك، بجسر يربطك بأجمل سنين الشعر والفن، وبأمل يقودك لمستقبل أكثر انفتاحًا وجمالًا. حاولت في اللقاء أن أمر على بعض جوانب تجربتي.. حكيت عن آخر نص كتبته قبل أيام في مدينة ميلانو، لعل في الحكاية ما يلقي الضوء على السؤال الأزلي الذي يتردد دومًا: كيف يأتي الشعر؟ كيف تكون القصيدة؟
وأهديت النص الثاني -بكل فخر- لناقدنا الجميل الملهم (الدكتور) سعيد السريحي.. كان عنوان النص (الشك مرتبكًا) وقد كتبته بعد أن أنهيت رسالتي للدكتوراه، وقبل مناقشتها... كنت في بريطانيا حينها، وكانت الدنيا صباحًا مشرقًا، لم أخش فيه قط ظلمة كتلك التي واجهها السريحي يومًا ما..!!
تحدثت أمام الحضور عن علاقتي بالشعر، وبكلمات الأغاني، وخصوصًا طلال، وهو يحكي لأصحابه عن تلك التي «قصيت ضفايرها ودريت...»، ثم كان نزار قباني وقدري الشهي مع نزار.. حكيت كيف أني حين تعثرت يومًا بقصيدة الحمراء قضيت ليلة كاملة أحوم في غرفتي مثل ملذوع.. أتلمس العبارات في جدار غرفتي في جدة، باحثًا عن الأندلس.. عن طيب جنات العريف ومائها، عن حجرة كانت بها أمي تمد وسادي.. وعن «لا غالب إلا الله».
منذ نزار.. أصبحت القصيدة تعويذتي الخاصة، خليلتي الماكرة، جارتي المشاكسة في المقعد المجاور، دمعتي التي تنمو كالمطر.. لذلك حين رثى نزار زوجته.. بكى وأبكى الكون كله على بلقيس..أنا بكيت على القصيدة:
شكرًا لكم
فحبيبتي قتلت وصار بوسعكم أن تشربوا كأسًا على قبر الشهيدة
وقصيدتي اغتيلت
وهل من أمة في الأرض إلا نحن نغتال القصيدة...!!
ومررت على الثانوية.. وعلى أستاذي أحمد بن سلمان، ذلك الذي أخذ بيدي نحو عوالم لم أتخيل أنها موجودة.. كان بن سلمان معلمًا.. مثقفًا مؤمنًا برسالته.. لم يكن يفعل الكثير: يستمع.. يربت على كتف محاولاتي المتواضعة.. ويوجه جموحي بحذر وحب.. تحولت حصة التعبير مع بن سلمان، إلى حفلة إلهام.. تخيلوا أن حصة التعبير أصبحت معه مزارًا للطلاب من الفصول الأخرى.. هكذا يحتشد الطلاب في فصلنا لسماع خواطرنا ومحاولاتنا التي أطلق بن سلمان سيقانها للريح.
أتيحت لي الفرصة وأنا أتنعم بدفء الأحبة من حولي أن أتحدث عن طباعة ديوانيْ وظروف النشر، وعن الشعر في الغربة، وعن صديق العمر إبراهيم، الخجول الصامت، وأهديته نصًا إمعانًا في الامتنان.. ورغبة في إحراجه أكثر.. كما تساءلت: هل كانت علاقتي العميقة والمعقدة بالقصيدة، لأنها أكثر الإناث معرفة بي.. وبأسراري.. بمكامن قوتي وثغرات ضعفي؟؟ أتبعت هذا السؤال بنص لم يصفق له ويحتفي به إلا الجزء الأيمن من مجلس سيدانة الثقافي، أعني الجزء الناعم من القاعة.. الرجال.. لم يصفقوا.. ولم يولولوا أيضًا.. اكتفوا بالصمت فقط:
يا رجل..
كنت أنت الخطيئة..
ضلعكَ كان هو الأعوجا..
هي كانت نجاتك دومًا
وإكسير خلدك.. والمخرجا
ربما كنت أنت البداية
لكن نقصكَ كاد يواريك
حواء كانت
وكنت لها الأحوجا
ليلة الثلاثاء كان الاتفاق أن تكون ليلة أحكي فيها جوانب من تجربتي المتواضعة مع الشعر، لكني وجدت نفسي أعيش ثمار تجربتي مع الحياة وأنا أشاهد كرم الأصدقاء والصديقات والتفافهم حولي حبًا ومجاملة لصاحبهم.
حضرت الحكاية في الأمسية، كما حضر الشعر، والموسيقى، والصوت العذب، شاديًا ببعض نصوصي... تشعر وأنت هناك، بجسر يربطك بأجمل سنين الشعر والفن، وبأمل يقودك لمستقبل أكثر انفتاحًا وجمالًا. حاولت في اللقاء أن أمر على بعض جوانب تجربتي.. حكيت عن آخر نص كتبته قبل أيام في مدينة ميلانو، لعل في الحكاية ما يلقي الضوء على السؤال الأزلي الذي يتردد دومًا: كيف يأتي الشعر؟ كيف تكون القصيدة؟
وأهديت النص الثاني -بكل فخر- لناقدنا الجميل الملهم (الدكتور) سعيد السريحي.. كان عنوان النص (الشك مرتبكًا) وقد كتبته بعد أن أنهيت رسالتي للدكتوراه، وقبل مناقشتها... كنت في بريطانيا حينها، وكانت الدنيا صباحًا مشرقًا، لم أخش فيه قط ظلمة كتلك التي واجهها السريحي يومًا ما..!!
تحدثت أمام الحضور عن علاقتي بالشعر، وبكلمات الأغاني، وخصوصًا طلال، وهو يحكي لأصحابه عن تلك التي «قصيت ضفايرها ودريت...»، ثم كان نزار قباني وقدري الشهي مع نزار.. حكيت كيف أني حين تعثرت يومًا بقصيدة الحمراء قضيت ليلة كاملة أحوم في غرفتي مثل ملذوع.. أتلمس العبارات في جدار غرفتي في جدة، باحثًا عن الأندلس.. عن طيب جنات العريف ومائها، عن حجرة كانت بها أمي تمد وسادي.. وعن «لا غالب إلا الله».
منذ نزار.. أصبحت القصيدة تعويذتي الخاصة، خليلتي الماكرة، جارتي المشاكسة في المقعد المجاور، دمعتي التي تنمو كالمطر.. لذلك حين رثى نزار زوجته.. بكى وأبكى الكون كله على بلقيس..أنا بكيت على القصيدة:
شكرًا لكم
فحبيبتي قتلت وصار بوسعكم أن تشربوا كأسًا على قبر الشهيدة
وقصيدتي اغتيلت
وهل من أمة في الأرض إلا نحن نغتال القصيدة...!!
ومررت على الثانوية.. وعلى أستاذي أحمد بن سلمان، ذلك الذي أخذ بيدي نحو عوالم لم أتخيل أنها موجودة.. كان بن سلمان معلمًا.. مثقفًا مؤمنًا برسالته.. لم يكن يفعل الكثير: يستمع.. يربت على كتف محاولاتي المتواضعة.. ويوجه جموحي بحذر وحب.. تحولت حصة التعبير مع بن سلمان، إلى حفلة إلهام.. تخيلوا أن حصة التعبير أصبحت معه مزارًا للطلاب من الفصول الأخرى.. هكذا يحتشد الطلاب في فصلنا لسماع خواطرنا ومحاولاتنا التي أطلق بن سلمان سيقانها للريح.
أتيحت لي الفرصة وأنا أتنعم بدفء الأحبة من حولي أن أتحدث عن طباعة ديوانيْ وظروف النشر، وعن الشعر في الغربة، وعن صديق العمر إبراهيم، الخجول الصامت، وأهديته نصًا إمعانًا في الامتنان.. ورغبة في إحراجه أكثر.. كما تساءلت: هل كانت علاقتي العميقة والمعقدة بالقصيدة، لأنها أكثر الإناث معرفة بي.. وبأسراري.. بمكامن قوتي وثغرات ضعفي؟؟ أتبعت هذا السؤال بنص لم يصفق له ويحتفي به إلا الجزء الأيمن من مجلس سيدانة الثقافي، أعني الجزء الناعم من القاعة.. الرجال.. لم يصفقوا.. ولم يولولوا أيضًا.. اكتفوا بالصمت فقط:
يا رجل..
كنت أنت الخطيئة..
ضلعكَ كان هو الأعوجا..
هي كانت نجاتك دومًا
وإكسير خلدك.. والمخرجا
ربما كنت أنت البداية
لكن نقصكَ كاد يواريك
حواء كانت
وكنت لها الأحوجا