الحماية الثقافية؟
تاريخ النشر: 31 أكتوبر 2019 00:16 KSA
المفهوم الدارج للأمن الثقافي مرتبط بالحماية.. حماية ماذا؟ لا نعرف بدقة.. هل شخصيتنا هشة إلى هذا الحد القاتل؟ لماذا نخاف بينما هناك أمم أصغر منّا، وأصيلة ومتأصلة في ثقافتها، لا تخاف من رياح التغيرات العالمية، اليابان مثلا؟ يطرح الأمن الثقافي بوصفه المنقذ من كل الشرور الوافدة وكأنها أوبئة، أو من فعل الذوبان في الآخر.. كيف نذوب في الآخر ونحن نبني العلاقة منذ البداية ليس من منطلق المساجلة والاختلاف، ولكن الرفض الأعمى أحيانًا.. في أوضاعنا المزرية التي لم تأخذ من الدين جوهره ولكنها اكتفت بالقشور أصبح لمفهوم الحماية معني واحد، أي كيف نكون شبيهين للسلف الصالح.. بمعنى أدق وأجرأ، إمحاء شخصيتنا المعاصرة بكل تناقضاتها والعيش داخل الماضي.. المشكلة حتى هذه المعادلة غير ممكنة.. لأن للماضي آلياته وشروطه ومبرراته عاشه الناس كما جاءهم وحاولوا أن يؤثروا فيه.. هذه الشروط غير متوفرة في الحاضر وحلت محلها آليات حاضر نرفضه.. بمعنى ما من المعاني، نحن مجردون من كل شيء لا دخلنا عصرنا وقبلنا به ولو جزئيًا، ولا فهمنا ماضينا كما يجب، ودخلناه كرجال من عصر آخر يريدون أن يغيروا ويتغيروا.
المشكلة كبيرة وكبيرة جدًا.. ثنائية مختلقة بامتياز.. في الوقت الذي نحلم فيه بحماية أنفسنا من شر هلامي لا نعرف كيف نعرّفه ونحدده إلا بالجملة السحرية: إننا أمة ترفض الذوبان في الآخر.. نتعرى أمام الزمن، ونكشف عورتنا له، لا تغطينا بالجديد فسترنا أنفسنا، ولا غطينا أنفسنا بالقديم فحافظنا على بعض كرامتنا..
ويتكرر المنطق ونعيش في التجاور.. أرجلنا وأجسادنا في عصر، وأقدامنا في عصر آخر.. وهذا بيت القصيد إذ علينا أن نتحمل في كل مناحي حياتنا ازدواجية غير مقبولة.. ازدواجية غريبة يشترك فيها العقل الرافض والعقل الخانع في تآلف غير منطقي وغريب.. لا تضارب بينهما في أنانا الداخلية.. يقبلان بعضهما بعضًا.. لهذا نحن لا نجانب الصواب في المسألة، وسنظل معقدين ونورث العقد والحيرة لأبنائنا.. ماذا لو أخذنا المسألة من منظور آخر.. أن نؤمن أولا أننا أبناء هذ العصر وهذا الزمن كما كان آباؤنا وأجدادنا أبناء زمنهم.. ركبوا الجمل والحصان، وباتوا في الخيام.. ونتنقل نحن اليوم في السيارات والطائرات.. ونبيت في بيوت حديثة.. عاشوا على الشمع ونعيش على الكهرباء.. فكيف يمكن أن نتشابه خوف الذوبان؟ كل عصر يخلق ثقافته ومنطقه وهيمنته.. معنيون بعصرنا بالدرجة الأولى، لا يمكن أن نعبر على حافة زمن يعنينا ونريد أن نتطور؟ نعيش في الهوامش ولا تنخرط في أي شيء لأن الانعزال هو موت مع وقف التنفيذ.. والزمن لا ينتظر أبدًا.. فهو يسير وفق منطقه وخطاه.
عندما اتسعت الفتوحات الإسلامية كان على العرب والمسلمين أن يستجيبوا لنمط حياة جديدة فرضتها المدنيات التي دخلوها وأدخلوا عليها من ثقافتهم ووعيهم وتحسيناتهم، وانتسبوا للحداثة بدون عقد، وأبدعوا في كل المجالات العلمية والحضارية والتهجين مع الثقافات الصينية والهندية والفارسية والشرقية عمومًا بما فيها الثقافة اليونانية، أعطى ذلك نتائج مدهشة في كل المجالات المعرفية.. ماذا لو قال ابن رشد وابن ميمون، والغزالي، والفارابي، وابن جني، وغيرهم نخاف أن تمحى شخصيتنا في الثقافة العربية، فلا نقترب منها؟ لكانت المجتمعات مسطحة جدًا ولما عرفنا ذلك الغنى الثقافي العظيم والسخي..
الأمن الثقافي لم يكن يعني العزلة، ولكن إنتاج قيم ثقافية تسمح بالإسهام في الحضارة الإنسانية، وهو ما فعلوه.. وانخرطوا كليًا في المشروع الإنساني ولم يمنعهم هذا من أن يظلوا مسلمين وعربًا أو فرسًا، أو هنودًا، لأننا في النهاية بشر قبل أن نكون منتسبين لأية قومية أو أي دين.
المشكلة كبيرة وكبيرة جدًا.. ثنائية مختلقة بامتياز.. في الوقت الذي نحلم فيه بحماية أنفسنا من شر هلامي لا نعرف كيف نعرّفه ونحدده إلا بالجملة السحرية: إننا أمة ترفض الذوبان في الآخر.. نتعرى أمام الزمن، ونكشف عورتنا له، لا تغطينا بالجديد فسترنا أنفسنا، ولا غطينا أنفسنا بالقديم فحافظنا على بعض كرامتنا..
ويتكرر المنطق ونعيش في التجاور.. أرجلنا وأجسادنا في عصر، وأقدامنا في عصر آخر.. وهذا بيت القصيد إذ علينا أن نتحمل في كل مناحي حياتنا ازدواجية غير مقبولة.. ازدواجية غريبة يشترك فيها العقل الرافض والعقل الخانع في تآلف غير منطقي وغريب.. لا تضارب بينهما في أنانا الداخلية.. يقبلان بعضهما بعضًا.. لهذا نحن لا نجانب الصواب في المسألة، وسنظل معقدين ونورث العقد والحيرة لأبنائنا.. ماذا لو أخذنا المسألة من منظور آخر.. أن نؤمن أولا أننا أبناء هذ العصر وهذا الزمن كما كان آباؤنا وأجدادنا أبناء زمنهم.. ركبوا الجمل والحصان، وباتوا في الخيام.. ونتنقل نحن اليوم في السيارات والطائرات.. ونبيت في بيوت حديثة.. عاشوا على الشمع ونعيش على الكهرباء.. فكيف يمكن أن نتشابه خوف الذوبان؟ كل عصر يخلق ثقافته ومنطقه وهيمنته.. معنيون بعصرنا بالدرجة الأولى، لا يمكن أن نعبر على حافة زمن يعنينا ونريد أن نتطور؟ نعيش في الهوامش ولا تنخرط في أي شيء لأن الانعزال هو موت مع وقف التنفيذ.. والزمن لا ينتظر أبدًا.. فهو يسير وفق منطقه وخطاه.
عندما اتسعت الفتوحات الإسلامية كان على العرب والمسلمين أن يستجيبوا لنمط حياة جديدة فرضتها المدنيات التي دخلوها وأدخلوا عليها من ثقافتهم ووعيهم وتحسيناتهم، وانتسبوا للحداثة بدون عقد، وأبدعوا في كل المجالات العلمية والحضارية والتهجين مع الثقافات الصينية والهندية والفارسية والشرقية عمومًا بما فيها الثقافة اليونانية، أعطى ذلك نتائج مدهشة في كل المجالات المعرفية.. ماذا لو قال ابن رشد وابن ميمون، والغزالي، والفارابي، وابن جني، وغيرهم نخاف أن تمحى شخصيتنا في الثقافة العربية، فلا نقترب منها؟ لكانت المجتمعات مسطحة جدًا ولما عرفنا ذلك الغنى الثقافي العظيم والسخي..
الأمن الثقافي لم يكن يعني العزلة، ولكن إنتاج قيم ثقافية تسمح بالإسهام في الحضارة الإنسانية، وهو ما فعلوه.. وانخرطوا كليًا في المشروع الإنساني ولم يمنعهم هذا من أن يظلوا مسلمين وعربًا أو فرسًا، أو هنودًا، لأننا في النهاية بشر قبل أن نكون منتسبين لأية قومية أو أي دين.