ذكرياتنا المشوّشة.. مع إيران والإيرانيين!!
تاريخ النشر: 09 يناير 2020 00:20 KSA
ذكرياتنا مع إيران والإيرانيين مشوشة، متناقضة، مليئة بالأسئلة الشائكة، تعرفون لماذا.. لا داعي لأن نكرر ما هو معروف.. حضارة مهيبة مغروسة في عمق التاريخ، علاقتها بالعرب والعروبة ضفيرة تاريخية مختلفة الألوان.. هذا كله لا يهم، في رأي حركة ظلامية سوداء عمرها أربعون عامًا، يسمونها ثورة إسلامية، والثورات كسر للقيود واحتضان للحرية، انبثاق للنور من ظلمة العباءات السوداء، هذه الثورة لم تكن كذلك.. حين أشرعت الثورة أبوابها، آمن الإيرانيون أنهم رأوا صورة الخميني في القمر، حلفوا بروح الخميني أنه تبدى لهم عيانًا بيانًا في صفحة القمر.. الخميني -الذي كان في باريس يستعد للسفر ويتخم حقائبه بالعمائم والعباءات السوداء- لم يعلّق على الرؤيا؛ لم يُثبتها، ولَم ينفها.. ابتسم -غالبًا- وآمن أن حلمه قد اقترب.
من أقدم ذكريات جيلنا عن إيران، ذلك التوتر الذي عشناه أيام الحج، ومحاولات التخريب المستمرة، نذكر حملات التفتيش، التي كانت تنقل على التلفزيون السعودي، والمتفجرات التي وجدتها السلطات في حقائب الحجاج، صورة عجوز ينظر في العسكري يستخرج مواد متفجرة من حقيبته، يبكي العجوز مذهولاً.. المجتمع كان مصدومًا مما رأى، واتفقنا على أن العجوز بريء، لكنّ من هرّب الموت في حقيبته لم يكن كذلك.
حجاج إيران كانوا ولا يزالون مشهدًا مختلفًا في مشاعر مكة وطرقاتها، تجمعاتهم الكبيرة، طقوسهم الغريبة في الحرمين، وحافلاتهم المكشوفة.. لا يريدون غطاءً بينهم وبين الله، هكذا يقولون.
حتى لقاءاتنا الكروية لحظات لا تنسى من التاريخ، هزمناهم في بطولات آسيا؛ في ٨٤، و٨٨، و٩٦.. تلاقينا عشرات المرات، فزنا وفازوا، وانتهت كل المنافسات بالمصافحة، هكذا فعلنا حين قابلناهم في نهائي بطولة جامعة ليدز لكرة القدم، كان لقاءً حماسيًا وصعبًا، لكننا فزنا، وتصافحنا كفرسان في النهاية.. وحدهم المتدثرون بالعباءات والعمائم، لم يؤمنوا بالتنافس الشريف، ولم يخططوا له.
مثل باقي مجتمعات الشرق، الإيرانيون موجودون في كل مكان.. في بريطانيا قابلت وصادقت كثيرين؛ ساعدت امرأة ذات صباح، كانت في مشكلة، في اليوم الثاني حضرتْ مع زوجها، لا نية للقتال، شكرَني، ودعاني للعشاء -على حسابه-، أصرّ فوافقت.. الثلاثاء في المطعم الإيراني خاص بالإيرانيين، كنت الوحيد بينهم.. رقص وغناء وضحك وكرم ضيافة.. وابتسامات صادقة، كانوا (أوادم) طبيعيين، لا شيء في عيونهم، يختلف عما في أعيننا، وأعين البشرية.
قابلت إيرانيين آخرين، لا يختلفون، يتطلعون للحياة، والحرية، ولا يؤمنون بثقافة العمائم، ولا بظلامها.. بعضهم كان ناقمًا لأن الآيدلوجيا اختطفت ثقافتهم الأصيلة، وشوهت وجه حضارة عريقة.
علي.. كان مختلفًا قليلًا.. صادفته يومًا مقابل مبنى الباركنسن (المعلم الأشهر في جامعة ليدز)، كان حائرًا، إنجليزيته معطوبة، جاء من سويسرا لمقابلة أستاذ في قسم الهندسة، والعودة سريعًا.. حظه لم يسعف، أجّلَ الأستاذ الموعد ثلاثة أيام، وكان في ورطة.. لا مال يكفي في جيبه، ولا لغة تساعده.. خجله لم يساعد أيضًا.. فهمت منه هذا حين اقترب مني وطلب المساعدة.. ساعدته، أخذته للقسم، وتأكدت من موعد لقائه الجديد، أكلنا في مطعم قريب، مسألة السكن تعقدت قليلًا، لم يكن معه ما يكفي كما قلت.. أخذته للسكن الطلابي، ونسقتُ مع زميل أن يبقى معه، حتى يتدبر أمره.. الزميل وافق دون تردد..
هكذا عرّفتُهم:
- سامي .. هذا علي.. من إيران يحتاج المساعدة.
- علي.. هذا سامي.. من السعودية، سعيد بأن يستضيفك.
ابتسم علي الإيراني.. ابتسامة بيضاء صغيرة.. كان خجلًا مما يرى.. حان وقت الصلاة.. وقفت بجوار سامي، ونظرتُ لعلي –بمكر-: تصلي معنا..؟ فابتسم بخجل.. بعد الصلاة.. أخبرته أني أحترم كل معتقدات العالم وطقوسه، قلت له: نحن نعيش مع بعضنا، نأكل سويًا، نفرح ونحزن سويًا، ما الذي يمنعنا أن نصلي سويًا..؟! كيف لمعتقد أن يفرّق بيننا..!!
ابتسم علي ابتسامة أكثر بياضًا.. كان الدمع في عينيه يقول ما لم يستطع لسانه أن يعبر عنه. بعد شهور قابلت علي بالصدفة.. كان أفضل حالًا، احتضنني بصدق، عرّفني على من معه بفخر.. وأصرّ –بشدة- أن أزوره يومًا ما.. هناك في طهران!!
من أقدم ذكريات جيلنا عن إيران، ذلك التوتر الذي عشناه أيام الحج، ومحاولات التخريب المستمرة، نذكر حملات التفتيش، التي كانت تنقل على التلفزيون السعودي، والمتفجرات التي وجدتها السلطات في حقائب الحجاج، صورة عجوز ينظر في العسكري يستخرج مواد متفجرة من حقيبته، يبكي العجوز مذهولاً.. المجتمع كان مصدومًا مما رأى، واتفقنا على أن العجوز بريء، لكنّ من هرّب الموت في حقيبته لم يكن كذلك.
حجاج إيران كانوا ولا يزالون مشهدًا مختلفًا في مشاعر مكة وطرقاتها، تجمعاتهم الكبيرة، طقوسهم الغريبة في الحرمين، وحافلاتهم المكشوفة.. لا يريدون غطاءً بينهم وبين الله، هكذا يقولون.
حتى لقاءاتنا الكروية لحظات لا تنسى من التاريخ، هزمناهم في بطولات آسيا؛ في ٨٤، و٨٨، و٩٦.. تلاقينا عشرات المرات، فزنا وفازوا، وانتهت كل المنافسات بالمصافحة، هكذا فعلنا حين قابلناهم في نهائي بطولة جامعة ليدز لكرة القدم، كان لقاءً حماسيًا وصعبًا، لكننا فزنا، وتصافحنا كفرسان في النهاية.. وحدهم المتدثرون بالعباءات والعمائم، لم يؤمنوا بالتنافس الشريف، ولم يخططوا له.
مثل باقي مجتمعات الشرق، الإيرانيون موجودون في كل مكان.. في بريطانيا قابلت وصادقت كثيرين؛ ساعدت امرأة ذات صباح، كانت في مشكلة، في اليوم الثاني حضرتْ مع زوجها، لا نية للقتال، شكرَني، ودعاني للعشاء -على حسابه-، أصرّ فوافقت.. الثلاثاء في المطعم الإيراني خاص بالإيرانيين، كنت الوحيد بينهم.. رقص وغناء وضحك وكرم ضيافة.. وابتسامات صادقة، كانوا (أوادم) طبيعيين، لا شيء في عيونهم، يختلف عما في أعيننا، وأعين البشرية.
قابلت إيرانيين آخرين، لا يختلفون، يتطلعون للحياة، والحرية، ولا يؤمنون بثقافة العمائم، ولا بظلامها.. بعضهم كان ناقمًا لأن الآيدلوجيا اختطفت ثقافتهم الأصيلة، وشوهت وجه حضارة عريقة.
علي.. كان مختلفًا قليلًا.. صادفته يومًا مقابل مبنى الباركنسن (المعلم الأشهر في جامعة ليدز)، كان حائرًا، إنجليزيته معطوبة، جاء من سويسرا لمقابلة أستاذ في قسم الهندسة، والعودة سريعًا.. حظه لم يسعف، أجّلَ الأستاذ الموعد ثلاثة أيام، وكان في ورطة.. لا مال يكفي في جيبه، ولا لغة تساعده.. خجله لم يساعد أيضًا.. فهمت منه هذا حين اقترب مني وطلب المساعدة.. ساعدته، أخذته للقسم، وتأكدت من موعد لقائه الجديد، أكلنا في مطعم قريب، مسألة السكن تعقدت قليلًا، لم يكن معه ما يكفي كما قلت.. أخذته للسكن الطلابي، ونسقتُ مع زميل أن يبقى معه، حتى يتدبر أمره.. الزميل وافق دون تردد..
هكذا عرّفتُهم:
- سامي .. هذا علي.. من إيران يحتاج المساعدة.
- علي.. هذا سامي.. من السعودية، سعيد بأن يستضيفك.
ابتسم علي الإيراني.. ابتسامة بيضاء صغيرة.. كان خجلًا مما يرى.. حان وقت الصلاة.. وقفت بجوار سامي، ونظرتُ لعلي –بمكر-: تصلي معنا..؟ فابتسم بخجل.. بعد الصلاة.. أخبرته أني أحترم كل معتقدات العالم وطقوسه، قلت له: نحن نعيش مع بعضنا، نأكل سويًا، نفرح ونحزن سويًا، ما الذي يمنعنا أن نصلي سويًا..؟! كيف لمعتقد أن يفرّق بيننا..!!
ابتسم علي ابتسامة أكثر بياضًا.. كان الدمع في عينيه يقول ما لم يستطع لسانه أن يعبر عنه. بعد شهور قابلت علي بالصدفة.. كان أفضل حالًا، احتضنني بصدق، عرّفني على من معه بفخر.. وأصرّ –بشدة- أن أزوره يومًا ما.. هناك في طهران!!