تطورات دولية نحو عالم جديد

أميركا تستعد للانسحاب أو للتخلي عن أفغانستان، وهذا أمر كان متوقعاً منذ وقت ليس بالقصير. إلا أن ما يلفت النظر فيما يدور الآن من استعداد أميركي للخروج من أفغانستان أنه بينما توجد حكومة في كابول، العاصمة الأفغانية، إلا أن أميركا لا تتفاوض معها على شروط الانسحاب وإنما مع حركة طالبان، رغماً عن أن الحكومة الأفغانية تشكلت حسب المواصفات وتحت الرعاية الأميريكيتين. وهو وضع مشابه لما جرى في فيتنام الجنوبية من سنوات عدة حيث قام هنري كيسنجر حينها بالتفاوض المباشر مع حركة الفيتكونج التي كانت طالبان فيتنام الجنوبية بشكلٍ ما في ذلك الوقت، وشهدت باريس حينها اتفاق الفيتكونج مع أمريكا على خروج الأخيرة من البلاد، وبدون أن تكون الحكومة الفيتنامية الجنوبية التي تشكلت في سايجون بمواصفات أميركية طرفاً في تلك المفاوضات. وحين حان انسحاب أميركا، تم ذلك بشكل دراماتيكي ونقلت شاشات التلفزيون صور الأميريكيين والفيتناميين الجنوبيين يفرون من سايجون بكل وسيلة ممكنة وكان آخرها تدافع أعداد كبيرة من الناس الى سطح السفارة الأميركية هناك سعياً للصعود لطائرات الهيلكوبتر التي كانت تنقل من تبقى من الدبلوماسيين والصحفيين ومن أمكن من أفراد الحكومة الفيتنامية الجنوبية. ولم تتمكن الطائرات من استيعاب تلك الأعداد، وسقطت سايجون ومعها الحكومة الفيتنامية الجنوبية. فهل سيتكرر السيناريو الفيتنامي في أفغانستان؟.. على الأرجح سيتم ذلك وإن بشكل معدَّل.

عجلة التغيير في العالم تتسارع، وأميركا التي كانت القطب العالمي الأوحد تجد نفسها تفسح الطريق لأقطاب عالمية وإقليمية أخرى، وأبرزها الصين وروسيا. والاقتصاد العالمي الذي كان الأميركيون يهيمنون عليه أخذ في تعديل مساره. فالناتج المحلي الإجمالي لأميركا الذي كان يمثل حوالي نصف الناتج العالمي عام 1950 أصبح اليوم سُبع (واحد من سبعة) من الإجمالي العالمي. وعندما نفذت الصين مؤخراً مبادرتها: طريق الحرير (مبادرة الحزام والطريق) وخصصت لها تريليون وثلاثمائة بليون دولار، ونجحت في تنفيذ مشاريع في أكثر من بلد تحت مظلة هذه المبادرة، سارع الأميركيون للإعلان عن مشروع منافس وخصصوا له مائة وثلاثة عشر بليون دولار فقط كاستثمارات جديدة. وفي الوقت نفسه تفوقت الشركات الصينية على مثيلتها الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي وكمثال على ذلك نجاح شركة هواوي الصينية في مجال الجيل الخامس من الإنترنت وتعاقدت دول أوروبية معها. وعندما غضبت أميركا لذلك لم تنجح في ثني حلفائها عن التعامل مع هواوي لأنها لم تتمكن من تقديم البديل المنافس للتكنولوجيا الصينية.


العالم يتغير وكذلك الأمر بالداخل الأميركي حيث يدور صراع بين اليمين واليسار هناك. ويمثل ترمب اليمين الأميركي، وهو ليس ظاهرة فردية وإنما فكر أميركي لقطاع عريض من الأميركيين. وبينما كان اليسار الذي حكم أميركا لفترات طويلة منذ الحرب العالمية الثانية وأقام النظام الليبرالي العالمي، يسعى لتغيير العالم ليصبح على شاكلة أميركا فإن اليمين الذي أتى بدونالد ترمب أعلن عبر الرئيس الأميركي الجديد أن الهدف هو التركيز على أميركا أولاً. وأنه لا مصلحة لبلاده ولا رغبة لنظامه أن يسعى لتغيير العالم وإقامة أنظمة تناسب تطلعاته، بل أنه سيتعامل مع كل دولة حسب قدراتها وأهميتها بالنسبة للمصالح الأميركية بدون تهديد استقرارها. وهو الأمر الذي مازال اليسار الأميركي، وأيضاً الأوروبي، لا يتقبله ممثلاً بالإعلام وبعض من أجهزة الدولة العميقة التي مازالت قائمة ويسعى اليمين الأميركي الى تغيير فكرها أو استبدالها بأجهزة أخرى تميل الى فلسفته، مثلما عمل بتعيينات المناصب الفيدرالية ، بما في ذلك القضاء والأجهزة الأمنية المتعددة.

الوضع الحالي يشكل فرصة لإعادة تنظيم التكتلات الإقليمية، وبناء الكيانات الداخلية للدول بهدف تحقيق الاستقرار طويل الأمد، بعيداً عن الضغوط الخارجية. ومن المتوقع أن تتواصل عملية التغيير الحالية لبضع سنوات قادمة (ما لم تحدث مفاجآت غير متوقعة)، وسوف يستقر الوضع بعدها داخل أميركا، القطب العالمي الأوحد سابقاً، وداخل الصين ، القطب الدولي الأول أو الثاني المتوقع، وفي دول ومناطق أخرى من العالم، وسينعكس كل ذلك على الوضع العالمي بشكل ما.

أخبار ذات صلة

اللغة الشاعرة
مؤتمر الأردن.. دعماً لوحدة سوريا ومستقبلها
الجهات التنظيمية.. تدفع عجلة التنمية
الاستثمار في مدارس الحي
;
معرض جدة للكتاب.. حلَّة جديدة
«حركية الحرمين».. إخلاص وبرامج نوعية
دموع النهرين...!!
الجمال الهائل في #سياحة_حائل
;
عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض