العمالة الأجنبية تدفع ثمن أزمة شحّ الدولار في لبنان
تاريخ النشر: 27 فبراير 2020 23:06 KSA
قبل 3 سنوات وصلت ماري إلى بيروت للعمل في الخدمة المنزلية وإعالة أسرتها في إثيوبيا، إلا أنها منذ أشهر لم تتمكن من إرسال أموال جراء أزمة شح الدولار التي لا توفر عشرات الآلاف من العمال الأجانب في لبنان، في شارع حيوي في محلة الدورة شمال بيروت، تتجول ماري (18 عامًا) مع صديقاتها مرتدية ثيابًا أنيقة وأحمر شفاه يزين ثغرها في يوم عطلتها الأسبوعية.
تقول الشابة ذات الملامح الخجولة والبنية الهزيلة لوكالة فرانس برس: "كنت أقبض 400 دولار (شهريًا) وأحوّلهم إلى إثيوبيا، أما اليوم فأنال راتبي بالليرة اللبنانية"، التي لامس سعر صرفها أمام الدولار عتبة 2500 ليرة في السوق الموازية، فيما لا يزال رسميًا 1507 ليرات، ويتعيّن على ماري أن تدفع من راتبها، بعدما خسرت عمليًا ثلث قيمته، بدل إيجار غرفة تقيم فيها شمال بيروت وكلفة الطعام والملبس على حدّ قولها.
وتوضح باللغة العربية "ثمة مشكلة حاليًا، لكن ليس من أرباب العمل بل من الدولة"، مضيفة: "لا أتمكن من إرسال المال إلى إثيوبيا"، في الشارع الشعبي، تضيق المحال على أنواعها بعمال أجانب من مختلف الأعمار يدخلون تباعًا لشراء منتجات مستوردة من بلدانهم من مأكل ومشرب وثياب. تتسامر مجموعات من الشبان على الأرصفة وأمام مكاتب الاتصالات أو المطاعم التي تصدح منها الموسيقى على أنواعها، بينما تتجول شابات بثياب ملونة ذهابًا وإيابًا.
ويعيش في لبنان أكثر من 250 ألفًا من عمال الخدمة المنزلية، بينهم أكثر من 186 ألف امرأة يحملن تصاريح عمل، تتحدر غالبيتهن العظمى من إثيوبيا، بالإضافة إلى الفلبين وبنغلاديش وسريلانكا، ولا يشمل هذا العدد آلافًا لا تصاريح عمل لديهم، وغالباً ما تندّد منظمات حقوقية والدول التي يتحدرون منها بظروف عملهم، إذ تتبع السلطات اللبنانية نظام الكفالة الذي يمنح أصحاب العمل وفق منظمة العفو الدولية "سيطرة شبه كاملة" على حياة عشرات الآلاف من عاملات المنازل المهاجرات، ممن يتعرضن لكافة أشكال الاستغلال وسوء المعاملة.
اصبر قليلاً
وينال معظم العمال لا سيما في مجال الخدمة المنزلية رواتب ضئيلة تبدأ بـ150 دولارًا ولا تتجاوز 400 دولار شهريًا، تبعًا للجنسية، وتأثرت رواتبهم جميعًا مع ندرة الدولار على وقع أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد، بات عدد كبير منهم غير قادر على نيل راتبه بالدولار، بينما تحويله لدى الصرافين عملية خاسرة مع تراجع قيمة الليرة، ولجوء غالبية المشغلين إلى الدفع بالعملة المحلية.
إزاء هذا الواقع الذي يُرهق اللبنانيين والمقيمين على حدّ سواء، لا تعرف ماري ما سيحمله المستقبل القريب، وتقول "إذا تحسّن الوضع سأعمل، وإذا لم يتحسّن ماذا أفعل؟ نحن نريد الدولار"، وتتابع: "في إثيوبيا لدينا كل شيء إلا الدولار، نريد المال، لدي (أشقائي) في المدرسة وأساعد عائلتي والآن لا أتمكن من ذلك"، وتكاد أزمة الدولار تتكرر على لسان غالبية العمالة المهاجرة سواء العاملات في الخدمة المنزلية أو العاملين في محطات الوقود والمعامل والشركات، التي تئن من الانهيار الاقتصادي وباشر عدد منها تسريح موظفيها، واقترحت سفارة الفلبين في بيروت في 5 ديسمبر تذكرة سفر مجانية على رعاياها الراغبين بالمغادرة جراء الأزمة، وأعلنت أن أكثر من ألف فلبيني، غالبيتهم من النساء يرافقهن أطفال، قصدوا مقرها للتسجيل.
وعلى وقع الاحتجاجات غير المسبوقة ضد الطبقة السياسية وفسادها التي انطلقت في 17 أكتوبر، والتي فاقمت الانهيار الاقتصادي، وجد الشاب الهندي أمانديب سينغ (23 عامًا)، ويعمل في مشتل للزهور شمال بيروت منذ أربعة أعوام، راتبه ينخفض من 500 إلى 360 دولارًا تقريبًا ويروي لفرانس برس أن ربّ عمله يدفع نصف راتبه بالليرة، وينقل عنه قوله "اصبر قليلاً، ربما بعد شهرين أو ثلاثة سيتحسنّ الوضع، سأنتظر وأرى ما سيحصل"، ويضيف "إذا لم يتوفر الدولار فلا شيء في لبنان، سأذهب إلى الهند، ماذا سأفعل هنا؟".
حياتنا صعبة
وخفّضت عاملة التنظيف البنغلادشية ياسمين بيغون (32 عامًا) المبلغ الذي ترسله شهريًا إلى عائلتها من 300 إلى 150 دولارًا وتقول لفرانس برس بحسرة "ثمّة مشكلة كبيرة، فالدولار غير متوفّر وأسعار كل شيء ارتفعت، لم يعد الوضع كما كان عليه وحياتنا صعبة"، موضحة أنها تنال راتبها من ربة عملها بالليرة وفق سعر الصرف الرسمي، وتشرح "تقول لي السيدة لا دولار لديّ، من أين أعطيكي الدولار؟ وأنا لست قادرة على فعل أي شيء".
وتفرض المصارف قيودًا مشدّدة على عمليات السحب بالدولار، ويجد اللبنانيون أنفسهم عاجزين عن الحصول على أموالهم التي ادخروها في ظل موجة غلاء مرتفعة وارتفاع نسبة البطالة وإقفال مئات المؤسسات لأبوابها. وفي حال استمرّ الوضع على حاله، لا تستبعد ياسمين أن تضطر للعودة مع زوجها إلى بلدهما، من جهتها، حسمت الشابة ناف (18 عامًا)، العاملة في تنظيف المنازل وتتقاضى أتعابها على الساعة، قرارها بالعودة إلى إثيوبيا، وتوضح لفرانس برس أن ربات المنازل "يدفعن لي بالليرة اللبنانية ولا أستطيع إرسال المال إلى إثيوبيا، و يقلن لي لا دولارات في المصرف". وتضيف على عجل بينما تنتظرها صديقاتها "عائلتي تقول لي توقفي عن العمل وتعالي إلى هنا، ماذا أفعل هنا؟ أريد أن أسافر".
تقول الشابة ذات الملامح الخجولة والبنية الهزيلة لوكالة فرانس برس: "كنت أقبض 400 دولار (شهريًا) وأحوّلهم إلى إثيوبيا، أما اليوم فأنال راتبي بالليرة اللبنانية"، التي لامس سعر صرفها أمام الدولار عتبة 2500 ليرة في السوق الموازية، فيما لا يزال رسميًا 1507 ليرات، ويتعيّن على ماري أن تدفع من راتبها، بعدما خسرت عمليًا ثلث قيمته، بدل إيجار غرفة تقيم فيها شمال بيروت وكلفة الطعام والملبس على حدّ قولها.
وتوضح باللغة العربية "ثمة مشكلة حاليًا، لكن ليس من أرباب العمل بل من الدولة"، مضيفة: "لا أتمكن من إرسال المال إلى إثيوبيا"، في الشارع الشعبي، تضيق المحال على أنواعها بعمال أجانب من مختلف الأعمار يدخلون تباعًا لشراء منتجات مستوردة من بلدانهم من مأكل ومشرب وثياب. تتسامر مجموعات من الشبان على الأرصفة وأمام مكاتب الاتصالات أو المطاعم التي تصدح منها الموسيقى على أنواعها، بينما تتجول شابات بثياب ملونة ذهابًا وإيابًا.
ويعيش في لبنان أكثر من 250 ألفًا من عمال الخدمة المنزلية، بينهم أكثر من 186 ألف امرأة يحملن تصاريح عمل، تتحدر غالبيتهن العظمى من إثيوبيا، بالإضافة إلى الفلبين وبنغلاديش وسريلانكا، ولا يشمل هذا العدد آلافًا لا تصاريح عمل لديهم، وغالباً ما تندّد منظمات حقوقية والدول التي يتحدرون منها بظروف عملهم، إذ تتبع السلطات اللبنانية نظام الكفالة الذي يمنح أصحاب العمل وفق منظمة العفو الدولية "سيطرة شبه كاملة" على حياة عشرات الآلاف من عاملات المنازل المهاجرات، ممن يتعرضن لكافة أشكال الاستغلال وسوء المعاملة.
اصبر قليلاً
وينال معظم العمال لا سيما في مجال الخدمة المنزلية رواتب ضئيلة تبدأ بـ150 دولارًا ولا تتجاوز 400 دولار شهريًا، تبعًا للجنسية، وتأثرت رواتبهم جميعًا مع ندرة الدولار على وقع أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد، بات عدد كبير منهم غير قادر على نيل راتبه بالدولار، بينما تحويله لدى الصرافين عملية خاسرة مع تراجع قيمة الليرة، ولجوء غالبية المشغلين إلى الدفع بالعملة المحلية.
إزاء هذا الواقع الذي يُرهق اللبنانيين والمقيمين على حدّ سواء، لا تعرف ماري ما سيحمله المستقبل القريب، وتقول "إذا تحسّن الوضع سأعمل، وإذا لم يتحسّن ماذا أفعل؟ نحن نريد الدولار"، وتتابع: "في إثيوبيا لدينا كل شيء إلا الدولار، نريد المال، لدي (أشقائي) في المدرسة وأساعد عائلتي والآن لا أتمكن من ذلك"، وتكاد أزمة الدولار تتكرر على لسان غالبية العمالة المهاجرة سواء العاملات في الخدمة المنزلية أو العاملين في محطات الوقود والمعامل والشركات، التي تئن من الانهيار الاقتصادي وباشر عدد منها تسريح موظفيها، واقترحت سفارة الفلبين في بيروت في 5 ديسمبر تذكرة سفر مجانية على رعاياها الراغبين بالمغادرة جراء الأزمة، وأعلنت أن أكثر من ألف فلبيني، غالبيتهم من النساء يرافقهن أطفال، قصدوا مقرها للتسجيل.
وعلى وقع الاحتجاجات غير المسبوقة ضد الطبقة السياسية وفسادها التي انطلقت في 17 أكتوبر، والتي فاقمت الانهيار الاقتصادي، وجد الشاب الهندي أمانديب سينغ (23 عامًا)، ويعمل في مشتل للزهور شمال بيروت منذ أربعة أعوام، راتبه ينخفض من 500 إلى 360 دولارًا تقريبًا ويروي لفرانس برس أن ربّ عمله يدفع نصف راتبه بالليرة، وينقل عنه قوله "اصبر قليلاً، ربما بعد شهرين أو ثلاثة سيتحسنّ الوضع، سأنتظر وأرى ما سيحصل"، ويضيف "إذا لم يتوفر الدولار فلا شيء في لبنان، سأذهب إلى الهند، ماذا سأفعل هنا؟".
حياتنا صعبة
وخفّضت عاملة التنظيف البنغلادشية ياسمين بيغون (32 عامًا) المبلغ الذي ترسله شهريًا إلى عائلتها من 300 إلى 150 دولارًا وتقول لفرانس برس بحسرة "ثمّة مشكلة كبيرة، فالدولار غير متوفّر وأسعار كل شيء ارتفعت، لم يعد الوضع كما كان عليه وحياتنا صعبة"، موضحة أنها تنال راتبها من ربة عملها بالليرة وفق سعر الصرف الرسمي، وتشرح "تقول لي السيدة لا دولار لديّ، من أين أعطيكي الدولار؟ وأنا لست قادرة على فعل أي شيء".
وتفرض المصارف قيودًا مشدّدة على عمليات السحب بالدولار، ويجد اللبنانيون أنفسهم عاجزين عن الحصول على أموالهم التي ادخروها في ظل موجة غلاء مرتفعة وارتفاع نسبة البطالة وإقفال مئات المؤسسات لأبوابها. وفي حال استمرّ الوضع على حاله، لا تستبعد ياسمين أن تضطر للعودة مع زوجها إلى بلدهما، من جهتها، حسمت الشابة ناف (18 عامًا)، العاملة في تنظيف المنازل وتتقاضى أتعابها على الساعة، قرارها بالعودة إلى إثيوبيا، وتوضح لفرانس برس أن ربات المنازل "يدفعن لي بالليرة اللبنانية ولا أستطيع إرسال المال إلى إثيوبيا، و يقلن لي لا دولارات في المصرف". وتضيف على عجل بينما تنتظرها صديقاتها "عائلتي تقول لي توقفي عن العمل وتعالي إلى هنا، ماذا أفعل هنا؟ أريد أن أسافر".