هل النص الروائي حيادي؟

يطرح سؤال الحيادية في النص الروائي العربي، بوصفه قضية أساسية تتشكل من خلالها فكرة جدوى النص في معناه ومراميه.. الكثيرون يقولون بفكرة أنّ النص مهما حاول أن يكون حرًا وبعيدًا عن المؤثرات، التي تصنعه وتسهم في بنائه، يظل في النهاية رهين سلسلة من المعطيات الفردية الذاتية والمجتمعية التي تكبل القول وتجعله يسير باتجاه دون غيره.. فالمجتمع الذي نبت فيه النص يفرض حضوره بقوة.. بينما تلعب قناعات الكاتب الأيديولوجية كيفما كانت، الدور الحاسم في النهاية، بالسير بالنص الروائي نحو وجهة محددة المراد من ورائها شعوريًا أو لا شعوريا تمرير خطاب معين.. ولكن الكثيرين أيضًا يبنون آراءهم على أطروحة أن النص لا قيمة تاريخية له إذا لم يتحرر من أسر صاحبه والمجتمع الذي ظهر فيه النص.. الأدبية هي مقياس الفعل الأدبي الأساسي، وهي ما يحرر الرواية وغير الرواية، من يقين الإيديولوجية وجانبها التدميري، الذي يحصر المنتج في الخطاب الوثوقي الذي عليه تأديته.

نتفق منذ البداية أنه لا توجد حيادية في المطلق أبدًا، كل شيء يخضع لمنظومة سابقة عليه وتؤثر فيه بقوة.. لأنه، ببساطة، لا يوجد في النظام الفكري والثقافي البشري ما ينشأ من العدم.. النص هو ثمرة كتابة لها تماس عميق بالذات الإبداعية الخاضعة لكل التحولات النفسية المعقدة، ولها تماس أيضًا بسياقات مجتمعية عامة، تتحكم فيه المؤسسات المحيطة به، أي أنّ النص الروائي لا ينشأ خارجها.. وهو ما عمل عليه الباحث الاجتماعي بيير بورديو Pierre Bourdieu وأطلق عليه تسمية الحقول الثقافية والأدبية التي تفرض نفسها مسبقًا، كشرطيات أساسية، على الفعل الثقافي أو المنجز الأدبي.. السؤال الكبير في هذه الحالة، هو كيف يفلت الكاتب الاستثنائي من أسرها الثقيل؟ النص كمنجز معقد، أكبر من الحيادية أو نقيضها، مما يقتضي بحثًا عميقًا في العناصر الصغيرة المشكلة للنص والتي تجعله يتفرد بهروبه من هذا «القدر» القاتل للإبداعية والأدبية.. مما يشترط على الرواية أن تواجه سؤالا مركزيًا مهمًا وحاسمًا: كيف تستطيع هذه الأخيرة، في النهاية، تحويل كل هذه التفاصيل الحياتية المعيشة إلى مادة أدبية.. وينتهي سؤال الحيادية إلى إعادة صياغة معطياته: هل استطاع النص الروائي أن يخرج من أسر العلاقة المباشرة، التي تحول الإبداع بكل تعقيداته، إلى مجرد مادة اجتماعية هي ليست أكثر من صدى للمعيش.. النص الروائي أكبر من هذا وذاك، هو إعادة صياغة لعالم مادي متحول إلى سلسلة من الافتراضات التي لا وجود لها عمليًا في الواقع الموضوعي، إلا داخل النص.. العبقري، بمصطلح لوسيان غولدما أو الكاتب الاستثنائي، هو الذي يستطيع أن يجعل من رؤيته للعالم وسيلة لتخطي المعطى التبسيطي للأدب، باتجاه ما هو أكثر أدبية وأصالة، حتى ولو تناقض ذلك مع قناعاته الشخصية والفردية والخاصة.. لنا أمثلة في التاريخ، بلزاك مثلا أهان الطبقة الأرستقراطية، التي كان ينتمي إليها حياتيًا لحساب الطبقات الأكثر انكسارًا وفقرًا، فدافع كتابيًا عمن كانوا في حاجة إلى صوته لرفع الظلم عنهم.. لم يكن أدبه مجرد صدى لقناعاته الخاصة.. ينطبق هذا أيضًا على تولستوي الذي عاش في مجتمع القنانة والعبودية، ورفضه كليًا، وأدان الوجاهة الإقطاعية والإدارية الكاذبة لطبقة كان ينتمي إليها، في أنا كارنينا، منتصرًا للحب حتى ولو تناقض ذلك مع الأخلاق التي كان يؤمن بها كمنقذ للإنسانية.. الأدب العظيم هو تخطي الثنائية واقع/ ذات، باتجاه عنصر ثالث ينشأ من أعماق النص الفاعل والأدبي بامتياز.. لهذا يتغير مفهوم الحيادية في المعنى الذي نعطيه لها، ويتبطّن ذلك السؤال الأبدي للإبداع: كيف ننشئ من عالم مادي ضاغط وبائس، محكوم بالإيديولوجي والسياسي، عالمًا تتسع فيه الحرية كعنصر حاسم.. حرية الرؤية والبناء والمعنى.

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح