مكتبتي هذا الأسبوع: إهداءات.. وغوايات.. وحكايات

هذا الأسبوع استقبلتني مكتبتي بابتسامة ماكرة.. وأنا ومكتبتي أصدقاء قدامى، تعرفني جيدًا، كما أعرفها، وتلك ابتسامة لم أعهدها؛ فقد كنا متفقين دومًا، لي مثل ما لها من سلطة، لا تزيد ولا أزيد.. لكنها هذا الأسبوع لم ترض بنصف السلطة، مثلها مثل بقية الإناث على ما يبدو.

شعرتُ بها تقودني بين الرفوف بتعنّت، تتحكم بحركة عينيّ، تثبتهما دون إرادتي على كتابٍ ما، لم أفتحه من سنين؛ «سيدي لم يعد سيدي.. ويدي لم تعد بيدي».. حين فتحت الصفحة الأولى من كتاب (رسائل لم يحملها البريد) لعبدالرؤوف اللبدي، فأعادني لأيام الثانوية حين اقترح علينا أستاذ ملهم هذا الكتاب الذي يقدم فيه المؤلف مراسلات مصوغة بأسلوب أدبي بين أطراف غير متوقعة (من القهوة إلى المسجد، من فأر إلى قط والعكس، من الأرض للقمر... وهكذا).. أثار الكتاب اهتمامنا، وأخذنا نبحث عنه، حتى فوجئت ذات صباح بصديقٍ يهديني نسخة.. حين فتحت الصفحة الأولى هذا الأسبوع لمحت خط صديقي: «إلى أخي الذي لم تلده أمي.. ما العيش إلا الذكريات.. اذكرني.. عبدالله عائض».ز ها أنا بعد ثلاثة عقود أذكرك يا صديقي.


فهمتُ ابتسامة صديقتي الماكرة، فأخذت أجاري لُعبتها، حين وقعت عيني على كتابٍ يمثل أحد أهم الكتب النقدية التي أثّرت بي، وأقنعتني بالمنهجية الأنسب للتعامل مع التراث العربي، أعني كتاب سعيد السريحي (حركة اللغة الشعرية)، ذلك الذي حُرم بسببه من حقه في الدكتوراه قبل عشرين ظلامًا أو يزيد، ابتسمتُ.. لا لأني -اليوم- أعتمد الكتاب مرجعًا لطلابي وطالباتي في الدراسات العليا، بل لأني تذكرتُ من أهداني إياه.. لم يكن السريحي من فعل، بل «أبو عمر»، زميلٌ معلّم، متخصص في الحاسب الآلي، جمعتنا مدرسة مطلع القرن الحالي، ولا يزال خطُّ إهدائه يبعث الدفء إلى قلبي.

بالحديث عن الدفء.. من بريطانيا، أرسلت للصديق الجميل محمود تراوري رسالة عتب على الفيس بك: محمود.. هل تصدق أني لم أقابل ميمونة بعد؟ ضحك تراوري، واعتذر. «ميمونة» هذه رواية فاتنة راوغتني بقدر ما قاومتُ جمالها، حتى أكلني صقيعُ إنجلترا واستسلمت.. بعد شهور، حمل لي البريد دفئًا يليق بتراوري.. ونبل تراوري، كانت رواية «ميمونة»، مطرزة بقوله: «الصديق عادل خميس.. هناك أصوات قديمة تحكي.. لنتجرد من الحكاية.. محبتي وتقديري». عبده خال اعتذر لي -أيضًا- بطريقة لا يتقنها إلا قلبٌ مثل قلبه، وقلمٌ مثل قلمه؛ كنا في ملتقى النص، حين رأيت أمامي «صدفة ليل»، فوجئت بها، وحين تصفحتها، ابتسمت وأنا أقرأ: «الحبيب عادل.. لم تكن إلا سقطة ذاكرة.. فالحب نبض وأنت ممن خفق بك القلب.. عبده». قادتني كلمات عبده إلى جلسة في ملتقى نص سابق، كنا سويًا -عام 2005- على طاولة خلفية نعلّق باستنكار على ورقة خالص جلبي التي لم يكن لها أي علاقة بمحور الملتقى ولا باهتماماته. أتذكر يومها أني -بخبث مقصود- حملت كتاب (الزلزال العراقي) طالبًا توقيعه، ومعلقًا على عبارة حملتها صفحة العنوان «2003.. الأكثر عمقًا». علّق جلبي بخجل، وكتب لي إهداءً كريمًا، وصفني بـ»وعد المستقبل وأمل التغيير في ظلمات العصر العربي». حينها لم يكن جلبي قد ندم على البقاء بيننا بعد، ولم تحمل -بعد- جيوبه فائضًا من المال..!! في ذلك الملتقى أيضًا أهداني العراقي الوفي يحيى السماوي «بالمحبة كلها والود كله»، ديوانه العذب: «قليكِ.. لا كثيرهُنّ».. وفي لندن، كنا على العشاء؛ أنا وعدنان الصائغ حين سألته: «ما جدوى أن تسع العالم في بيتٍ شعريٍّ.. وتعيشَ بلا بيتْ».. فضحك شاعر العراق المنفي، واصطاد ما أرمي إليه.. أخرج من حقيبته ديوان (تكوينات)، وكتب لي «بلهجة» عراقية لذيذة: «الصديق الشاعر العذب حقًا.. د. الزهراني عادل. مع عميق محبتي».


انتهت مساحة الكتابة هنا.. لكنّ حكايتي مع مكتبتي، وأصدقاء مكتبتي، أفقٌ ممتدٌ.. لا يمكن أن ينتهي!!

أخبار ذات صلة

اللغة الشاعرة
مؤتمر الأردن.. دعماً لوحدة سوريا ومستقبلها
الجهات التنظيمية.. تدفع عجلة التنمية
الاستثمار في مدارس الحي
;
معرض جدة للكتاب.. حلَّة جديدة
«حركية الحرمين».. إخلاص وبرامج نوعية
دموع النهرين...!!
الجمال الهائل في #سياحة_حائل
;
عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض