التاريخ وعقدة ذنب الأحياء
تاريخ النشر: 26 مارس 2020 00:08 KSA
هل التاريخ ما يقوله الذين عاشوه، أو ما يقوله الآخرون عنهم؟ هل حقيقة الثورة الجزائرية التي شكلت نموذجًا إنسانيًا في وقتها، الكثير من حقائقها معلقة مؤجلة؟ ينام عليها جيل لأنه خائف مما صنعت يداه؟ عقدة الذنب؟ إن المعركة القاسية التي تدور رحاها منذ سنوات قليلة، بين الذين صنعوا جزءًا من تاريخ هذا الوطن، مثيرة للجدل في أكثر من لغم فجرته تحت أرجل الآخرين ولكن تحت أرجلها وأرجلنا أيضًا.. مثلا، لقد أصبح من المؤكد أن البطل القيادي أيام الثورة ومهندسها، عبان رمضان، قتله رفاقه بسبب خلافات داخلية؟ من حكم عليه ومن نفذ العملية؟ لا نعرف إلا قليلا.. وأن الشهيد عميروش ذبح من المثقفين ما يجعل أبداننا تقشعر بسبب لعبة استعمارية اسمها La bleuite ، أو عمى الماء الأزرق، جعلته يشكّ في كل المثقفين وشباب الجامعات الذين التحقوا بالثورة.. ثم أن جثة هذا القائد نقلت من مكان استشهادها وبقيت في مخازن الدولة، في وزارة الدفاع، سنوات حتى نسيت تمامًا إلى مجيء المرحوم الرئيس الشاذلي بن جديد، فأخرجها من سجنها لدفنها كما يلق بالشهداء؟ لماذا نسيت في المخازن؟ وهل نسيت حقيقة؟
موضوعات تورث فينا شيئين متناقضين من المرارة والسعادة.. المرارة لأننا فجأة نستيقظ ونحن أمام حقائق تاريخية جديدة علينا، لم نكن نسمع بها من قبل إلا من أفواه أعداء الثورة والعملاء؟ كما كانوا يسمونهم ظلمًا في الأغلب الأعم.. لكن نشعر أيضًا بسعادة خفية لأن حكامنا ورواد ثورتنا وصلوا إلى ضرورة قول الحقيقة ولو كان ذلك من قبيل الانتقام من بعضهم البعض.. يجب إلاّ تصبح الحقيقة التاريخية هي الضحية الجديدة.. لكن، ما الذي تغير؟ هل تحرر المجتمع وقادته ومناضلوه فجأة من عقدة الذنب التاريخية؟ لا أعتقد.. لأن مسألة مثل هذه لا تتفرد بها ثورتنا.. كل الثورات مرت بظروف عصيبة دعتها إلى التآكل داخليًا في لحظة من اللحظات.. الثورة الفرنسية نفسها التي تشكل مرجعًا إنسانيًا في التحولات العنيفة، عندما انتهت من قطع رأس الملك، قطعت رأس قادتها الثوريين، دانتون وروبيسبيير وغيرهما.. دانتون قبل أن يموت تفطن إلى أن رومنسيته التي أدت به إلى الهلاك هي التي دفعت به إلى التنبه للمستقبل، فقال لصديقه روبيسبيير الذي حكم عليه بالإعدام: احذر، سيأتي أنت أيضًا من يقطع رأسك.. وهو ما حدث بالفعل.. عندما قويت شوكة البورجوازية، قطعت رأس روبيسبيير لأنه أصبح حجر عثرة في طريق مشاريعها.
إذن نفهم جيدًا وضعًا مثل هذا ولا نلوم كثيرًا الفاعلين في حركة التاريخ.. فحتى ولو أردنا فعل ذلك، فلن نعيد التاريخ إلى الوراء.. لكن من حق الأجيال الجديدة أن تعرف ما حدث؟ أن نتعلم احتراف ثقافة الصراحة.. ماذا يربح الفاعلون بصمتهم المزمن والمرضي، وهم مقدمون على الانطفاء الطبيعي؟ لقد مات الكثير من قادة الثورة ولم نسمع منهم شيئًا عن الحقائق الوطنية التي كان يمكن أن يسهموا بها في تصويب التاريخ ولا يتركوه لمن لم يعشه إلا على الحواف.. حتى ما كتب من مذكرات كان عبارة عن عنتريات أكثر منه رؤية نقدية شجاعة تقول الحقيقة المرة ولو على نفسها.. مات فرحات عباس رئيس أول برلمان جزائري، ولم نعرف الشيء الكثير عن صراعات الحكومة المؤقتة وانقلاباتها الداخلية وصراعاتها..
اختفى محمد بوصوف، رئيس المخابرات زمن الثورة، ولم نعرف بالضبط لماذا كان وراء اغتيال القيادي عبان رمضان؟ تلاشى ابن طوبال في النسيان التام قبل موته، وانمحت ذاكرته من كل شيء، قبل أن نعرف ما يتخفى داخله من حقائق مرة.. متى يكتب تاريخنا بيد الذين صنعوه وبالصدق نفسه، قبل أن يكتبه غيرهم.. إعادة ترتيب بيت التاريخ أكثر من ضرورة للتقدم على الأمام.
موضوعات تورث فينا شيئين متناقضين من المرارة والسعادة.. المرارة لأننا فجأة نستيقظ ونحن أمام حقائق تاريخية جديدة علينا، لم نكن نسمع بها من قبل إلا من أفواه أعداء الثورة والعملاء؟ كما كانوا يسمونهم ظلمًا في الأغلب الأعم.. لكن نشعر أيضًا بسعادة خفية لأن حكامنا ورواد ثورتنا وصلوا إلى ضرورة قول الحقيقة ولو كان ذلك من قبيل الانتقام من بعضهم البعض.. يجب إلاّ تصبح الحقيقة التاريخية هي الضحية الجديدة.. لكن، ما الذي تغير؟ هل تحرر المجتمع وقادته ومناضلوه فجأة من عقدة الذنب التاريخية؟ لا أعتقد.. لأن مسألة مثل هذه لا تتفرد بها ثورتنا.. كل الثورات مرت بظروف عصيبة دعتها إلى التآكل داخليًا في لحظة من اللحظات.. الثورة الفرنسية نفسها التي تشكل مرجعًا إنسانيًا في التحولات العنيفة، عندما انتهت من قطع رأس الملك، قطعت رأس قادتها الثوريين، دانتون وروبيسبيير وغيرهما.. دانتون قبل أن يموت تفطن إلى أن رومنسيته التي أدت به إلى الهلاك هي التي دفعت به إلى التنبه للمستقبل، فقال لصديقه روبيسبيير الذي حكم عليه بالإعدام: احذر، سيأتي أنت أيضًا من يقطع رأسك.. وهو ما حدث بالفعل.. عندما قويت شوكة البورجوازية، قطعت رأس روبيسبيير لأنه أصبح حجر عثرة في طريق مشاريعها.
إذن نفهم جيدًا وضعًا مثل هذا ولا نلوم كثيرًا الفاعلين في حركة التاريخ.. فحتى ولو أردنا فعل ذلك، فلن نعيد التاريخ إلى الوراء.. لكن من حق الأجيال الجديدة أن تعرف ما حدث؟ أن نتعلم احتراف ثقافة الصراحة.. ماذا يربح الفاعلون بصمتهم المزمن والمرضي، وهم مقدمون على الانطفاء الطبيعي؟ لقد مات الكثير من قادة الثورة ولم نسمع منهم شيئًا عن الحقائق الوطنية التي كان يمكن أن يسهموا بها في تصويب التاريخ ولا يتركوه لمن لم يعشه إلا على الحواف.. حتى ما كتب من مذكرات كان عبارة عن عنتريات أكثر منه رؤية نقدية شجاعة تقول الحقيقة المرة ولو على نفسها.. مات فرحات عباس رئيس أول برلمان جزائري، ولم نعرف الشيء الكثير عن صراعات الحكومة المؤقتة وانقلاباتها الداخلية وصراعاتها..
اختفى محمد بوصوف، رئيس المخابرات زمن الثورة، ولم نعرف بالضبط لماذا كان وراء اغتيال القيادي عبان رمضان؟ تلاشى ابن طوبال في النسيان التام قبل موته، وانمحت ذاكرته من كل شيء، قبل أن نعرف ما يتخفى داخله من حقائق مرة.. متى يكتب تاريخنا بيد الذين صنعوه وبالصدق نفسه، قبل أن يكتبه غيرهم.. إعادة ترتيب بيت التاريخ أكثر من ضرورة للتقدم على الأمام.