درس سعودي في إدارة الأزمات

رغم انشغال المملكة على أعلى مستويات قيادتها السياسية بالإشراف المباشر على الجهود المبذولة للتصدي لفيروس كورونا، ومتابعتها اليومية المتواصلة للتطورات المتعلقة بالمرض، وتوجيهاتها المستمرة للأجهزة المختصة بالتركيز على حفظ أرواح المواطنين والمقيمين، وضمان سلامتهم، وصيانة أموالهم، مع ما يستلزمه ذلك من جهد مضنٍ، إلا أن كل ذلك لم يثن تلك القيادة الرشيدة عن هدفها الرئيسي المتمثل في مواصلة مسيرة البناء والإعمار، واستمرار تحديث الدولة، ومراقبة تنفيذ الأهداف والخطط التي تم إقرارها، مما يشير إلى حقيقة واضحة هي أن المؤسسية التي اتبعتها المملكة تضمن استمرار العمل بنفس معيار الكفاءة على كافة الأصعدة والمستويات، مهما كان حجم التحديات ومقدار المشغوليات، لأن العمل في هذه الحالة لا يعتمد على الأشخاص والأسماء، بل يسير في نهج تصاعدي وفق حوكمة إدارية معروفة.​

المتابع لأخبار المملكة خلال الفترة الماضية يلحظ بوضوح جملة من الإنجازات الضخمة التي تحققت، فعلى الصعيد السياسي تمكنت الرياض من عقد قمة افتراضية لمجموعة دول العشرين، تحت رئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، لمناقشة التهديد العالمي الذي يمثله انتشار مرض كورونا المستجد، وهي القمة التي كان لها تأثير كبير في تنسيق الجهود العالمية لتطويق المرض الذي بات يمثل تحدياً للعالم أجمع. كذلك نجحت السعودية في إرغام الحكومة الكندية على التراجع عن قرارها السابق بوقف تصدير الأسلحة، ودفعت أوتاوا إلى إعلان التزامها بالاتفاقيات السابقة التي تم التوقيع عليها.​


أما على الصعيد الاقتصادي فقد قادت المملكة (مجموعة أوبك+) إلى التوصل إلى اتفاق تاريخي عادل يضمن حقوق جميع الأطراف في ما يتعلق بالحفاظ على استقرار أسواق النفط العالمية، بعد الارتباك الذي شهدته الأسواق، نتيجة للتغيرات الاقتصادية التي نجمت عن تفشي المرض وما صاحب ذلك من اضطراب في الأسواق والبورصات العالمية، وهنا انبرت المملكة - بصفتها أكبر منتج للنفط في العالم- إلى القيام بدورها التاريخي الذي اضطلعت به على مدار العقود السابقة في إعادة الاستقرار إلى الأسواق العالمية بما يضمن العدالة للمنتج والمستهلك في نفس الوقت. وفي مجال الاقتصاد أيضا نجح صندوق الاستثمارات العامة في شراء حصص في شركات نفط أوروبية مرموقة مثل شل وتوتال وغيرها من الشركات العالمية الكبرى التي تسيطر على سوق الطاقة العالمي.​

وعلى الصعيد الداخلي، وفي إطار الحرب التي أعلنتها المملكة على بؤر الفساد أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، الكشف عن شبكة جديدة من المفسدين، ومباشرة إجراءات التحقيق مع قاضٍ في محكمة عامة بإحدى المناطق بعد تورطه باستلام مبالغ مالية على سبيل الرشوة في قضايا منظورة لديه والاشتغال بالتجارة، والقبض على الوسيط الذي عينه لاستلام مبالغ الرشوة بالتعاون مع شقيقه ورجال أعمال ومحامٍ. وأعلنت الهيئة أن كل هؤلاء تورطوا في جرائم الرشوة، وغسل الأموال، والاستيلاء على المال العام، واستغلال النفوذ الوظيفي، وسوء الاستعمال الإداري. وهذا الإنجاز الكبير يؤكد أن مهمة استئصال جيوب الفساد المالي والإداري التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين ويشرف عليها ولي عهده الأمين تمضي بثبات في طريق تخليص المملكة من هذا الكابوس. وفي ذات الصعيد أيضا بدأت المملكة في إعادة الراغبين من مواطنيها من مختلف دول العالم، بعد أن أكملت كافة الاستعدادات لذلك، مع ما يتطلبه الأمر من إجراءات صحية دقيقة ومعقدة بدءاً من توقيع الكشف الطبي عليهم في الدول التي كانوا بها، وانتهاء بإسكانهم في دور الضيافة التي تم تجهيزها في مختلف المناطق والمدن.​


ما سبق هو غيض من فيض إنجازات متواصلة شهدتها بلادنا خلال الفترة الماضية، وهو ما يشير إلى أن التأثير الذي سيتركه وباء كورونا سيكون محدود الأثر، عطفا على دقة العمل في دولاب الحكومة، وتوزيع الأدوار بعناية فائقة، ووضع الخطط الواقعية المدروسة، وهذه -من وجهة نظري - أولى ثمار رؤية المملكة 2030 التي اهتمت في الأساس بتطوير أسلوب العمل الإداري، وتحديث نظام الخدمة المدنية وتخليصه من الارتباط بالأشخاص والأسماء والانطلاق به إلى آفاق التخطيط السليم والتنفيذ المرحلي، لأن ذلك هو أهم مداخل النجاح وأول الشروط الواجب توفرها لإحداث النهضة المرجوة. لذلك حق لنا بجدارة أن نفخر بهذا المستوى الرائع من النجاح في فن إدارة ومواجهة الأزمات.

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح